جثمت الازمة السياسية الحادة على صدر المجتمع الكويتي عدة اشهر قبل أن تأتي «استراحة قانونية» قد لا تدوم! تفككت في بعض مراحل الازمة اوصال الروابط بين شرائح المجتمع، وصار كل من ليس معك فهو عليك، وتفاقمت المشاعر القبلية والطائفية، ووجدت البلاد نفسها على حافة الهاوية، وصراع لا يهدأ بين اطراف النزاع.
الازمات السياسية، لسوء الحظ، لا تعطي المجتمع دائماً المناعة المتوقعة! فكم من ازمة تكررت حتى وصل والامر الى العنف والاقتتال او على الاقل زوال عنصري الثقة بالآخر والود المتبادل.
هل نحن بمنجى من ازمات قادمة؟ انني للأسف متشائم جداً، واشعر بأن نوازع شبه انتحارية تتحكم بالبعض، وبأن كل المؤسسات الاجتماعية فشلت في تعميق الوعي الوطني والتماسك البديهي في اي مجتمع.
نحن نعاني منذ فترة صراعات انقسامية مخيفة، وانشقاقات عميقة في ثوابت المجتمع، وانواع من التشكيك والنفور والالغاء، لم نصب بها منذ الاستقلال وبدء الحياة الدستورية والبرلمانية.
هل ستداهمنا ازمة سياسية ثانية بعد ان زحزحت هذه؟ اذا افترضنا ان المؤسسات الاساسية الخمس التي تطور وعي وادراك الناس هي البيت والمدرسة والمسجد والاعلام والتيار السياسي، فمن المتوقع ان تحدث مثيلات لها او ما هو ادهى. ذلك ان اكبر مشاكل اعداد النشئ في هذه المرحلة، بل ومخاطبة الجمهور، هي عدم الانسجام بين دور هذه المؤسسات الخمس، وعدم تناغم خطواتها.
ويكفي ان تسأل نفسك: هل ما يقوله المنزل مثلاً للطفل في الجهراء والفحيحيل هو نفس ما يسمعه الطفل في كيفان والرميثية؟ هل ما تحتويه المناهج وتلتزم به وزارة التربية هو ما يسمعه الطالب من المدرس؟ هل الافكار والتوجيهات التي تحاول وزارة الاوقاف تعميمها هي السائدة بين الناس؟ هل الاعلام الكويتي قادر على الوصول الى عقل الكويتيين ودائرة الاقتناع لديهم؟ هل التيارات السياسية المؤثرة فينا جميعاً وفي الاجيال الجديدة والناخبين مدركة حقاً واقع الوضع الكويتي ومشاكله؟.
خذ مثلاً شعار «الوحدة الوطنية» هل تحرص البيوت كلها على زرعها في المنزل، وتوعية الابناء بها، وتحذيرهم من كل ما يمس اي فئة من فئات وشرائح الشعب، وتشجيع الابناء على تنويع الاصدقاء وعدم احتقار اي طالب لأصله ومذهبه وجماعته ومنطقته وجنسه؟ هل الامثال والنكات والشتائم التي قد يسمعها الطفل خالية حقاً من مثل هذه المضامين؟
خذ مثلا« الضمير» ماذا في تربيتنا المنزلية او المدرسية او الدينية او السياسية، لزرعه في نفوس الناس وتشجيع الفرد على استقلالية التفكير واتباع وحي الضمير، وعدم الانحياز لمن هو من عائلته او طائفته او قبيلته؟
المدرسة الكويتية برمتها كمؤسسة تعليمية قائمة على المذاكرة والحفظ لا المناقشة والنقد. التعليم في العالم العربي كله يعاني من تكديس المعارف دون تجاح يذكر في مجال الخلق والابتكار.. والتفاعل مع الواقع.
خطبة الجمعة في الكويت وكل العالم الاسلامي، لايزال يسيطر عليها الصراخ والوعيد والتهديد، حتى صارت بعض المساجد واسعة الشعبية عزيزة المكانة، بسب بهذه الخطب المزلزلة.
السلطان الرهيب الذي يتدرب عليه اي داعية او خطيب في اي جماعة، قد يمهد له الدرب الى مؤسسات سياسية اكثر خطورة وتأثيراً، والتهجم على الآخرين في هذه الخطب دون ان يمتلك المستمع حق الجواب والنقاش، يتحول مع الوقت الى غرور سياسي وتعصب ديني وغوغائية برلمانية واي شيء.
ليست «المؤسسة»، مهما كانت، هي الأقوى بالضرورة في توجيه الناس والناشئة، فقد يتعب الوالدان على الطفل وتكون المدرسة على ما يرام، الا انه يقع ضحية للصحبة المنحرفة وقد يكون المسجد ملتزماً بكل تعاليم «الوسطية والاعتدال»، ولكن بعض الزمر تلتف حول «الشاب الصالح».. وتجيب في النهاية هبره!
ان كنت تظن ان الكويت قد خرجت من «الازمة» فأنت واهم فقد كسبنا الموقعة ولم نربح الحرب حتى الآن، لا تزال الحكومة بكل مشاكلها التي تتوالد وتتناسل منذ الغزو والتحرير، بحاجة لأن تجدد عقليتها ونهج تحركها، ولا يزال المجتمع الكويتي منقسماً للأسف الى ثلاثة وربما ستة مجتمعات.. ولا يزال الفساد «بخير»! لايزال الانسجام المطلوب في الكويت بين البيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى بعيداً عن التحقيق لا تزال الفجوة واسعة بين ما يقال ويسمع في مختلف مؤسسات التنشئة والتوجيه، ولا تزال كل مجموعة من الكويتيين ترى ما تحب من «جوانب الواقع»، وتحذر كل من يحاول الاقتراب من «منابع ثقافتها».
هذا الواقع الذي بات مهدداً بمخاطر لا تحصى وبأزمات لا نحسب لها للأسف اي حساب اتمنى ان يكون تشاؤمي في غير محله، وان يكون كل ما نرى ونخشى منه.. ازمة عابرة!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق