“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا”(الاحزاب 70-71).
يصعب تصور نبذ مشاعر التباغض والخصومة في الحوار الديمقراطي ما لم يتفق أغلبية المشاركين على ضرورة وجود علاقة متينة بين ثوابتهم الوطنية المشتركة وبين ما يمارسونه من نشاطات يومية. فحين يتفق أعضاء المجتمع المدني على ثوابت وطنية وأرضيات فكرية وأخلاقية شاملة لا يتجاوزونها, فربما سيكرس ذلك تداولاً ديمقراطياً بناءً للآراء المختلفة في بيئة ديمقراطية صحية. والعكس صحيح, فإذا ضعف أو غاب الاتفاق في المجتمع حول المنطلقات الوطنية الرئيسية (الولاء الوطني- الواجبات والمسؤوليات الاجتماعية-الحس الوطني), زادت حدة النقاش الاجتماعي وأصبح يسيطر على جانب منه مشاعر التباغض والخصومة الهدامة.
على سبيل المثال, أعتقد أن الاستمرار في تكريس مشاعر “الولاء الوطني” بين أعضاء المجتمع, وحضهم على “الالتزام بواجبات ومسؤوليات المواطنة” الهادفة وإعلاء شأن “الحس الوطني” في قلوبهم وأذهانهم ربما ستؤدي إلى دحر التباغض المبالغ فيه والخصومات الشخصانية والمفبركة والتي ربما تحدث في سياق نقاش يومي محتدم حول قضايا محلية مشتركة.
وإعلاء شأن الولاء للوطن في الحياة اليومية ليس بالضرورة أن يأخذ الشكل التالي: “إذا اتفقت مع رأيي, فأنت شخص يملك ولاء وطنياً فاعلاً” ! فالولاء الوطني أعمق من الانطباعات الشخصية والمؤقتة. فما يدل على ممارسة الولاء الوطني في الحياة اليومية لعضو المجتمع هو مقدار التزامه كمواطن وتنفيذه لواجباته ومسؤولياته تجاه مجتمعه. فالوطن في آخر الأمر هو لمن يخلص له ويوفي بمسؤولياته تجاهه. ولا يمكن توقع تلاشي “مشاعر التباغض والخصومة” بين البعض ولم يدرك أغلبيتهم بشكل قطعي خطورتها على السلم المجتمعي.
والثابت الوطني الآخر والذي من المفروض أن يتفق عليه أغلبية المشاركين في أي نقاش ديمقراطي هو ضرورة امتلاك حس وطني فاعل وبناء. وهو يتمثل في امتلاك عضو المجتمع غيرة شخصية على بلده. وحرصه على اظهار تلك الغيرة الوطنية عبر سعيه لتكريس علاقات إيجابية مع المواطنين الآخرين. فالحس الوطني يتجلى عبر الحفاظ على علاقات اجتماعية وعائلية حميمية بين أبناء الوطن الواحد, والبعد عن التخوين والتشكيك وإساءة الظن في الشريك الآخر في الوطن. ويتمثل الحس الوطني في وجود انجذاب نفسي دائم بين أبناء الوطن الواحد. فعندما يدرك المواطن الحق تطابق توجهاته النفسية والأخلاقية مع مواطنيه الآخرين فهو يمارس الولاء الوطني. فلعل وعسى.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق