حسن كرم: قراءة جديدة للجنسية الكويتية

ظلت الجنسية الكويتية من المسائل الملحة والشائكة ومحل التجاذب والاستغلال المادي والسياسي الى يومنا الراهن على الرغم من مرور نحو نصف قرن على تطبيق قانون الجنسية الذي يفترض بعد هذه المدة الطويلة ان تكون قضايا الجنسية قد استقرت واخذت حيزها الطبيعي لدى الاجهزة المعنية الا ان ذلك لم يتحقق، فإلى يومنا هذا فهناك مظلومية، هناك من يشكو حرمانه من الجنسية على الرغم من استحقاقه لها، وهناك من يشكو انه منح الجنسية بالتجنس فيما هو يستحق الجنسية بصفة اصلية، وهناك من يشيع ان هناك من حصل على الجنسية دون ان يستحقها، وهناك من الاخوة الوافدين من يشكو ان اقامته قد طالت في الكويت اكثر من نصف قرن دون ان تبادر الدولة الى تجنيسه أو اقلها منحه الاقامة الدائمة واعتباره مواطنا صالحا، وهناك من يسر في اذنك كيف تدعون ان دستوركم ساوى بين الناس في الحقوق فيما يتم حرمان غير المسلمين من التجنيس، وهناك.. وهناك.. وهناك والعتب يطول والشكوى ترتفع..!!
في دراسة قيمة وجريئة وجلية عن الجنسية الكويتية نشرت في الصحف اخيرا للدكتور محمد عبداللطيف الجارالله عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت كلية الحقوق يبرز فيها الكثير من الجوانب السلبية التي يعتري قانون الجنسية الكويتية رقم 59/15 والتعديلات اللاحقة، ولعلي هنا لست بصدد مراجعة الدراسة كاملة، فذلك قد يتطلب مساحة اكبر، لكن حسبنا هنا ان نستقطع الفقرات الاهم من دراسة الدكتور الجارالله، فهي التي تعنينا وقد تعني الكثيرين من المواطنين المعنيين بمسائل الجنسية وما يتبعها من استحقاقات.
في فقرة (طرق الحصول على الجنسية) يشير الباحث في دراسته الى مواد قانون الجنسية التي على اساسها يتم صرف الجنسية سواء بصفة اصلية بالتأسيس أو بالتجنيس الى ان يأتي الى القول ويشتق من الجنسية الاصلية استثناء جنسية التأسيس في المادة الاولى من القانون الكويتي التي تعتبر جنسية مؤقتة بنشأة الدولة واستثناء أي انها ليست جنسية ميلاد انما بحكم القانون، غير انه في فقرة تالية يشير «الفرق بين الجنسية الاصلية والتجنس فقط هو مدى تطابق المعيار الزمني بين الميلاد وحرية كل من الفرد والادارة وفي القانون الكويتي فإن هناك فرقا بسيطا حول من له الجنسية الاصلية والتجنيس من حيث التصويت والانتخاب» داعيا الى زوال الفرق باعتباره «منتقدا ولا اساس له».
بعد ذلك ينتقل الدارس الى فقرة (فقد الجنسية) التي تعد من اهم الفقرات في تلك الدراسة، فيشير «يتم فقد الجنسية الكويتية بإحدى ثلاث صور» وبعد ان يشرح الصورتين الاولى والثانية ينزع الى شرح الصورة الثالثة حيث يقول «اما الصورة الثالثة والاخيرة للفقد، التي تملك الادارة العامة للجنسية دورا فيه هو للفقد بقرار اداري، اما عن طرق السحب أو الاسقاط»، ثم يشير الى ان المادتين (13 و14) من قانون الجنسية مؤسستان تأسيسا بعيدا عن العدالة وروح القانون فعلى سبيل المثال تقرر المادة (13) من قانون الجنسية سحب الجنسية عن المتجنس اذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو امنها الخارجي ذلك، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية» ويتساءل «ولك ان تتخيل ان المعيار جاء فضفاضا بالنسبة الى مصلحة الدولة العليا وغير عادل، لأنه اشتمل على سحبها من جميع من اكتسب الجنسية مع المتجنس كزوجته وابنائه البالغين والقصر الذين ولدوا قبل اكتسابه الجنسية الكويتية».
وفي نهاية دراسته يتقدم الدكتور الجارالله بعدة ملاحظات ومقترحات، لعل اهمها:
< ان القانون الكويتي سمح ببعض حالات الازدواج لمن يحمل الجنسية الاصلية. < يجب ان تفعل المواد المعطلة في قانون الجنسية وهما المادتان الثانية والرابعة.. < على القضاء الكويتي ان ينظر دعاوى الجنسية، خصوصا ما يتعلق بالتجنس. < لابد ان يتم منح الجنسية الكويتية عن طريق الدم بصورة مطلقة لابناء الام الكويتية سواء كانت متجنسة أو لها جنسية اصلية مساواة بالاب. < ضبط مواد السحب والاسقاط اصطلاحا وتضيق بأضيق الحدود ويكون لها اثر شخصي وليس تبعيا. < ينبغي إلغاء شرط الاسلام في جميع مواد التجنس ومساواتها بالجنسية الاصلية، لأن من يقرر منح الجنسية هي الادارة ابتداء ولانه ليس كل مسلم يتم تجنيسه كما وان شرط الاسلام قد يحرم الدولة من الكفاءات المستحقة للجنسية. < ايجاد مادة خاصة لانعدام الجنسية. < الغاء جميع الشروط الواردة في المادة الخامسة على اساس ان الجنسية هنا استثناء. يبقى اخيرا الرأي والقرار لأهل الرأي والقرار، فهل يصح بعد خمسين عاما على تطبيق قانون الجنسية تظل معاناة الجنسية مستمرة؟ ثم لماذا لا يتم نقل تبعية منح الجنسية واسقاطها الى القضاء، فالقضاء هو الطرف العادل والنزيه للبحث في من يستحق ومن لا يستحق بدلا من ان يتم وضع الجنسية في سوق المزايدة والاستغلال السياسي والسلطوي، واخيرا ان قانون الجنسية بات متخلفا عن العصر ولا يلبي المتطلبات الراهنة، وعليه يجب اصدار قانون جديد للجنسية متفاديا كل العيوب والعوار الوارد في القانون رقم 59/15. ان الاهم من الجنسية هو توحيد اللحمة الوطنية فلا يصح في ظل دستور الدولة الذي ينادي بالمساواة في الحقوق، ولا يصح في عصر المدنية وتساوي حقوق الانسان ان تصر الدولة على فرض الفروقات بين المواطنين وتصنيفهم على درجات، وكأننا ما زلنا نعيش عصر العبيد والاحرار. لتكن الجنسية وفقا لمعيار المواطنة، اولا واخيرا. حسن علي كرم المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.