ليس الهدف الانتقاد والبكاء على الأطلال، ولكنه وصف لماضٍ جميل عشناه، وحاضر مرير نعيشه، ومستقبل مشرق نتطلع إليه… ففي الأسبوع الماضي جلست مع مجموعة من الأصدقاء مختلفي المشارب، كان من ضمن الحضور أحد الرجال ممن يحمل على أكتافه عبء السنين في بداية النهضة في البلاد، بدا متألماً لما وصلت إليه حالنا.
أهذه الكويت التي عرفناها ونشأت على أرضها أول شركة طيران في المنطقة “عبر البلاد”، وأول شركة اتصالات تنافس كبرى الشركات العالمية، وأول شركة ناقلات عملاقة، وأول مدارس نظامية، وأول جامعة؟
أهي الكويت التي كانت ملاذاً للعديد من رجال الإعلام والأدب والثقافة، فكانت الواحة التي استظل بفيها وارتوى من غديرها كل من ضاقت به الحياة في بلاده، فكانت له دار أمن وأمان. وعلى أرضها نشأت أول البنوك في المنطقة، فغدا بعضها يحتل المراتب الأولى في التصنيف العالمي؟!
وماذا عسانا نقول عن كويت التقدم والازدهار في كل المجالات وعلى قمة هرم الإنجازات يأتي دستور 1962 الذي يشار إليه بالبنان، والذي أسس لحياة ديمقراطية برلمانية رائدة؟ هذه الكويت الصغيرة بمساحتها القوية بإرادتها والتي هزت أركان أعتى دكتاتورية عرفها التاريخ، فاستطاعت بعزم قيادتها وأهلها أن تعيد الظلام لمن حاول أن يجلبه لها، فتمكنت من تكوين تحالف دولي دكّ قلاع الظلم والظلام، فأعادت النور إلى وطن النهار!
ألا يحق لنا أن نفخر ونحن أينما ذهبنا في كل أركان الدنيا نرى طرقاً تُشق ومشاريع تُشيد ومحطات كهرباء تُبنى، أضف إلى ذلك كله مستشفيات ومدارس وجامعات ومراكز علمية، ودورا للرعاية والأيتام وغيرها الكثير، والعنوان الكبير لها بتمويل أو منح من دولة الكويت؟
يا لها من دولة يرفع الإنسان الرأس بها فخراً وعزة حتى يكاد يلامس الثريا، ولم تكتفِ بذلك بل ساعدت على بناء الإنسان وتوفير فرص عمل لملايين البشر في كل دول العالم، ويشهد على ذلك الاستثمار الكويتي الذي غدا جزءاً فعالاً في تحريك الاقتصاد العالمي، وما زلت أذكر الجولة الرائعة “في الباص الصغير” بمعية الشيخ أحمد العبدالله الأحمد الصباح وزير النفط الأسبق في محطة تكرير النفط في مدينة روتردام الهولندية، والتي تشعرك بفخر لهذا الاستثمار الكويتي في أكبر موانئ أوروبا، أضف إلى ذلك محطات الوقود التي تحمل علامة “Q8″ في كل الطرق السريعة في أوروبا.
وبعد هذه الإنجازات التي لا حصر لها لماذا وصلت بنا الحال إلى ما نحن فيه من جمود في حركة البناء والتعمير والتنمية ودخلنا أو أُدخلنا في صراع عقيم يحاول كل طرف أن يثبت خيانة الآخر؟ وهذا يقودنا إلى طرح العديد من التساؤلات منها على سبيل الحصر؛
هل هناك من يسعى إلى تقزيم دور الكويت سواء في منطقتنا أو على مستوى العالم؟!
أهناك من يسعى إلى إيصال البلاد إلى أوضاع سيئة تؤدي إلى المزيد من التذمر، وربما يؤدي ذلك إلى الاستحواذ على مقدرات الوطن باسم الدين أو الإصلاح، ونعود إلى “الشق العود” والبحث عن الإبرة؟!
الواقع أن هناك عدداً كبيراً من الشقوق ونحن بحاجة إلى أكثر من إبرة، ولعل أخطرها ذلك الذي حدث في وحدتنا الوطنية والفرز الطائفي والقبلي والاجتماعي؟!
وهذا يقودنا أيضا إلى التساؤل: هل هناك من يغذي هذا الفرز، أضف إلى ذلك تقسيم المجتمع إلى أغلبية وأقلية، وطني وغير وطني، ولا ندري من أعطى الحق للبعض بتوزيع صكوك الوطنية؟!
وهل من يحضر إلى “ساحة الإرادة” هو فقط الوطني بمعنى 10 في المئة من الشعب الكويتي؟!
كم نتمنى أن نرتقي بأسلوب العمل البرلماني، فللجميع الحق في النقد، فقد وصلت الأمور إلى أوضاع غاية في السوء، ولا بد من إيجاد الحلول، لكن يجب أن يتم ذلك بالحكمة والعقل لا بالصراخ والعويل، يقول الله سبحانه وتعالى “وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”، وقال جل من قائل “وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا”… صدق الله العظيم.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق