ناصر العبدلي: صيد وعجاج

أجواء الساحة السياسية تقول إن هناك قبولا واسعا لتقليص عدد الأصوات الممنوحة للناخب لتكون صوتا واحدا، أو صوتين في الحد الأعلى، لكن الخلاف على آلية التعديل، فهناك طرف يريد أن يكون ذلك التعديل من خلال مرسوم ضرورة حسب المادة 71 من الدستور، وآخر يريد أن يكون ذلك التعديل من خلال تفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجلس الأمة المقبل.
ذلك القبول الواسع ربما يبدأ بالتآكل إذا استخدمت الوسائل أو الأوراق المفلسة شعبيا، سواء أكانت تلك الوسائل أو الأوراق مؤسسات إعلامية أو شخوصاً تدور حولهم الشبهات، ولن ينفع تلك القضية أن هناك أناسا يحظون باحترام وتقدير المجتمع يؤيدونها، بل سينظر المواطنون ممن لم يحسموا أمرهم حتى الآن إلى تلك المؤسسات الإعلامية وأولئك الشخوص ويتشككون في مصداقية تلك القضية.
حق تقدير الضرورة في المادة 71 من الدستور هو من حق سمو أمير البلاد وحده ولا ينازعه هذا الحق إلا جاهل بالدستور، وعندما يصدر مرسوم ضرورة بتقليص عدد الأصوات أو تعديل مناطق الدوائر الانتخابية من خلال نقل منطقة من دائرة إلى دائرة ينتقل حق استمراره أو إسقاطه إلى مجلس الأمة المقبل والمشرع في هذا الإجراء خلق توازنا بين طرفي العقد الاجتماعي، وأعطى صلاحية لطرف يستطيع الطرف الآخر أن ينقضها بكل سهولة.
هذا الحق الدستوري واضح وصريح ولا يستطيع إنكاره أحد، لكن الكارثة أن يضيع هذا الحق في دهاليز المناورات السياسية الساذجة من خلال افتعال معارك وهمية وحشود لا داعي لها، فالقضية ليست بحاجة إلى حشود، والحكومة ليست مرشحة في المجالس المقبلة حتى تبحث عن الشعبوية عند اتخاذ قراراتها، ومادام حقها واضحاً في اتخاذ ما تعتقد أنه في مصلحة المواطن، والقرار بعد ذلك للمجلس المقبل، فلتكن قراراتها في هذا السياق.
ما يجري الآن هو أن الحكومة «ضيعت صيدتها في عجاجها»، وأصبحت مكشوفة أكثر من قبل أمام الساحة السياسية عندما ناورت أكثر من اللازم وتأخرت أكثر من الفترة الممكن أن يصدر خلالها قرارها لإعادة تنظيم الساحة الانتخابية من جديد، مما أعطى فرصة كبيرة للمزايدة وهدر الوقت والجهد في معارك عبثية، كان يمكن تجاوزها لو كان هناك قرار حاسم.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.