امتلأت مكتبات الكويت التجارية بكميات ضخمة من الكتب المتعلقة بتاريخ القبائل وشخصياتها واشعارها وعاداتها وانسابها.. وغير ذلك، وهو جهد تجميعي جيد للكثير من المعلومات والتفاصيل التي قد تندثر ان لم تُجمع وتطبع. والمؤسف ان جهد المؤلفين في الكويت وخارجها، من ابناء القبائل وغيرهم من الكتاب، لايزال محصورا حتى الآن بهذا التجميع والالتقاط ونشر الصور والانساب، دون الانتقال بالتأليف والتصنيف الى ما هو ارقى واعقد من النقاش التاريخي والنقد الادبي والتحليل الاجتماعي.
فهناك جيل من الآباء والاجداد بين القبائل يكتفي بمثل هذه الكتب وسير الغزوات ومآثر الشخصيات، وغيرها من المفاخر، ولكن هل تخدم هذه التفاصيل الاجيال الجديدة؟ وهل اخبار الغزوات مثلا واشعار التفاخر تعزز التقارب القبلي والوطني، وتجعل ابن القبيلة اقدر على التعاطي مع مجتمعه بمختلف شرائحه، وظروف التطور الاجتماعي التي تعيشها الكويت ودول مجلس التعاون والعالم العربي؟
هل شباب القبائل وفتياتها اليوم هم نفس من تتحدث عنهم هذه الكتب بعد ان تخرج الآلاف في الجامعات، وعاد مثلهم من بريطانيا والولايات المتحدة، وبعد ان تغيرت ظروف المرأة على نحو شامل، واندثر «الاقتصاد الصحراوي»؟ ثمة نقص حاد في المكتبة الكويتية في مجال كتب الدراسات التاريخية والاجتماعية والسياسية عن قبائل الكويت. مقابل كميات كبيرة من الكتب التي تتناول القبائل والعشائر في الاردن والعراق وقضايا توطين القبائل ومراحل التحضر وفولكلور القبائل. من هذه الكتب «المجتمع العشائري» لغسان التل، الاردن 1999، «نظام المسؤولية عند العشائر العراقية العربية المعاصرة»، لمصطفى حسنين، «المرأة البدوية» لأحمد العبادي، وكتب كثيرة اخرى، بسبب سعة انتشار القبائل، وتعايش ظاهرتي التحضر والبداوة في كل بلدان العالم العربي تقريبا. يقول الباحث التونسي محمد المرزوقي «مع البدو في حلهم وترحالهم»، عن مجتمع بلاده: «لقد كنت اتردد على الجنوب سنويا تقريبا، وهالني ما رأيت من اكتساح الحضارة السريع لجميع مظاهر البداوة وتقاليدها عاما بعد عام، واشتدت سرعة اختفاء تلك التقاليد بعد الاستقلال السياسي للشعب التونسي، اذ مال الناس للاستقرار في قراهم واستمرؤوا ممارسة المهن الحضرية، من تجارة وصناعة وزراعة، وأمّت اطفالهم ذكورا واناثا المدارس، وغزت الكهرباء والطرق المعبدة قراهم، وكان لهذا التحول السريع اثره البالغ في اختفاء جميع التقاليد القديمة». (المجتمع العربي، د.حليم بركات، 2000، ص2008).
منذ سنوات ممتدة وقبائل الكويت تخضع لمختلف المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اختفت الانماط المعيشية القديمة والمرتكزات الاقتصادية التقليدية، وظهرت قيادات سياسية وقبلية جديدة على حساب قيادات قديمة، وصار للمرأة دور اساسي في المستوى المعيشي للاسرة، وغزت الالعاب الالكترونية ووسائل الاتصال والانترنت حياة الاطفال والشباب، ولم تعد الاطر الاجتماعية الموروثة قادرة على ضبط تمرد بعض الناشئة!
لماذا لا نرى اقسام العلوم الانسانية، من اجتماع واقتصاد وعلم نفس في جامعة الكويت وغيرها تركز على هذه التحولات؟
لماذا لا يقوم بعض الاساتذة او الكتاب او حتى الساسة بتأليف الكتب والدراسات عن تحولات هذا المجتمع؟
لحسن الحظ، لدينا بعض الكتب القليلة في هذا المجال.. او ما هو قريب منه! من هذه الكتب كتاب «المساكن في البيئة الصحراوية»، وهي رسالة ماجستير للباحث «خالد حريمس العازمي»، درس فيها مدى التوافق البيئي والعمراني، مع التطبيق على منطقتي القرين والاندلس في دولة الكويت، وقد طبع مركز البحوث والدراسات الكويتية البحث عام 2000 ككتاب في طبعته الاولى.
معظم الكتب «القبلية» تستهدف الاسواق السعودية حيث الجمهور الواسع والقوة الشرائية والاقبال على القراءة، ومن الكتب ما يطبع في لبنان والاردن.
لا تحمل كل الكتب وجهة النظر الكويتية في أحداث التاريخ المحلي والخلافات الكويتية – النجدية مثلا.
كتاب «قبيلة مطير»، بيروت 2005، يتبنى وجهة نظر معاكسة تماما بخصوص حرب الجهراء 1920، وينقل آراء د.عبدالله العثيمين الذي يعتبرها انتصارا كاملا لجماعة الاخوان، حيث «فرّ أمامهم اغلب الكويتيين وحلفاؤهم».
ثم يضيف د.العثيمين، كما يقتبس عنه المؤلف عبدالعزيز بن سعد المطيري، وهو باحث سعودي من مواليد «حائل»، «ومن الواضح ان الذي منع الاخوان من جني ثمار انتصارهم العسكري في الجهراء هو تظاهر الشيخ سالم بموافقته على شروطهم اولا، ثم انذار بريطانيا لهم ثانيا.. ورغم ذلك فان الكويتيين يعدون معركة الجهراء انتصارا لهم». (ص109).
كيف ينظر التيار السلفي الكويتي الى هذا الحدث التاريخي، وكيف ينظر بقية الاسلاميين؟.
خليل علي حيدر
قم بكتابة اول تعليق