ناصر العبدلي: من يدفع الثمن

تقدير الضرورة في ما يتعلق بالمادة 71 من الدستور، حق لسمو أمير البلاد، وليس هناك في كل ما يتعلق بالدستور يقول إن تقدير الضرورة هو حق لنائب أو مواطن أو مجموعة، وهذا الحق التقديري حق مطلق لسمو الأمير، لا ينازعه فيه أحد، إلا إذا كان في مضمونه ما يتعارض مع المواد الدستورية، أما إذا لم يكن كذلك، فهو أمر لا غبار عليه.
المشرِّع عندما وضع الدستور خلق نوعا من التوازن بين طرفي العقد الاجتماعي، بحيث قيد كلا من الطرفين نحو الحفاظ على المصلحة الوطنية، واستنادا إلى ذلك أعطى مجلس الأمة الجديد حق مراجعة المراسيم التي صدرت أثناء فترة الحل، وإسقاط ما يراه يتناقض مع التقدير الصحيح، وتمرير ما يراه متوافقا مع التقدير الصحيح، وهذا حق مطلق لمجلس الأمة لا ينازعه فيه أحد.
عندما عاد مجلس الأمة وانتخب النواب عام 1992 عرضت المراسيم على النواب، ونشب خلاف بين الحكومة من جهة، والنواب من جهة أخرى، وقد لجأت الحكومة في ذلك الوقت إلى المحكمة الدستورية، ولولا تدخل بعض العقلاء ونزع فتيل تلك الأزمة، لربما كان هناك تفسير لتلك المادة لا يخدم الإرادة الشعبية، ولكننا الآن عاجزون ربما عن مراجعة تلك المراسيم.
يقال إن لجوء الحكومة إلى المحكمة الدستورية في ذلك الوقت سببه مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، والغريب أن تلك اللجنة ظلت تعمل وفقا للمرسوم الصادر لإنشائها أثناء فترة حل مجلس الأمة، رغم أن مجلس الأمة أسقط مرسومها عندما عرضت عليه في أول جلسة من العام نفسه، ولم يقم أي من النواب بإثارة هذا الموضوع، خوفا من مضي الحكومة مرة أخرى في تفسير المادة 71 من الدستور المتعلقة بمراسيم الضرورة.
هناك تعسف في استخدام المواد الدستورية، وهو أمر بدأته الحكومات السابقة عندما تهربت من الاستجوابات، من خلال لي عنق المواد الدستورية، وتفسيرها تفسيرا مزاجيا، وهناك أيضا تعسف ترتب على ذلك التعسف الحكومي يستخدمه أعضاء ما يسمى بالأغلبية البرلمانية حاليا، فلا الحكومة احترمت الدستور، ولا أعضاء تلك الأغلبية احترموا الدستور أيضا، وأضحى
ضحية الطرفين.
المفترض أن الدستور هو المرجع لكل نشاط سياسي في البلاد، والخروج عنه يعني الخروج على صيغة العقد الاجتماعي الذي تفاهمنا حوله، حكاما ومحكومين، وما يجري حاليا مؤشر خطير على أن الأمور خرجت عن السيطرة، ويمكن لكل طرف استخدام ما يريده لتبرير موقفه، حتى وإن كان ذلك الموقف فيه من التعسف الكثير، وربما تكون له تبعات خطيرة.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.