يقال ان مجموعة من الفئران كانت تعيش حياة سعيدة في مكان آمن، ثم تسلل إليها قط بدأ يتغافلها ويفترس منها، فاجتمعت للتشاور في أمره وقال أحدها لنأت بجرس يعلق برقبة القط وعند سماع الجرس سنعرف تحرك القط ونبتعد عنه. ولما أُحضر الجرس طُرح السؤال الصعب من سيعلق الجرس؟ وبعد لحظات صمت قال أحدها أنا الذي سيعلق الجرس. أخذ الجرس واقترب من مكان القط وانتظره حتى ينام فذهب مسرعا فعلق الجرس في رقبته وأنقذ المجموعة. ولكن لو أصيبت المجموعة بالصمم كما تصاب بعض الشعوب فتعجز عن سماع رأي الحكماء والناصحين لهلكت.
دارت هذه القصة في ذهني وأنا أتابع بروز جويهل كظاهرة سياسية.. ظهر على الساحة كردة فعل لخطاب تحريضي تبنته مجموعة أطلقت على نفسها الأكثرية. وادعت أن حقوقها مغتصبة من أقلية استأثرت بالسلطة والجاه والمال. ونادت بضرورة تغيير المعادلة السياسية الخاطئة التي مكنت أقلية تتحكم بالأكثرية. فهم القوة الجديدة ولن يسمحوا لأي تكتل أو تجمع سياسي بالنجاح إلا إذا عمل تحت لوائهم وخضع لارشاداتهم. فيجب ألا يعلو صوت على صوتهم.
نزلت هذه المجموعة الانتخابات بهذا الفكر المريض واتخذت من مقارها الانتخابية منابر لإلقاء خطابها الحاد ولغتها العنيفة وشعاراتها البراقة. بدأوا بالهجوم على العائلات الكويتية التي كان لها دور تاريخي في الحفاظ على الكويت وتمكينها من التغلب على المحن، فوصفوهم بالحيتان والمافيا وسراق المال العام. وواصلوا لغتهم الحادة داخل المجلس بعد نجاحهم. فهاجموا الوزراء والمسؤولين خاصة المخلصين ومن لهم رغبة في الإصلاح. هددوهم بالاستجواب وطرح الثقة لإجبارهم على تنفيذ مطالبهم حتى لو كانت غير مشروعة. وكانت جماهيرهم تحضر الجلسات وتشجعهم على الاستمرار. فتدنت لغة الحوار داخل المجلس وتسببت بظهور أزمات أدت إلى حل المجلس أكثر من مرة وتعطلت التنمية. شعر كثيرون بالأسى من تدني لغة الخطاب داخل المجلس وخارجه وادركوا خطورته. ولكنهم عجزوا عن مواجهته.
في هذه الأثناء جاء جويهل ليتصدى لهم ظنا منه أن الهجوم بهذه الصورة المؤسفة على الأسر الكريمة التي ساهمت في بناء الكويت وطبقة التجار ومحاولة تشويه سمعتهم والتقليل من مساهماتهم، خطر على مستقبل الدولة وسيعمل على إحراقها وهدمها وسيجرها إلى الفوضى. فلا يوجد شعب يحترم ذاته يسمح لفئة بتزوير تاريخه وتملأه بالأكاذيب والافتراءات. جاء جويهل وهو مواطن بسيط لا ينتمي الى تيارات سياسية ولا تجمعات فئوية تدافع عنه. جاء مدفوعا بحب الكويت وشعبها ليدافع عنها وعن أهلها ضد هذا الخطر. لكنه، بكل أسف في مواجهته لتلك الجماعة، لم يتبع لغة علمية هادئة لمعالجة الانحرافات والظواهر السلبية التي من الممكن أن تفرزها ظهور مثل تلك التيارات، بل اتبع الخطاب نفسه الذي اتبعته تلك الجماعة وأثبت انه قادر على استخدامه وتفوق عليهم. بدليل حقدهم عليه واعتدوا عليه حتى أشرف على الموت وأحرقوا مقره الانتخابي ورفعوا عليه قضايا ورفعوا عنه الحصانة البرلمانية وأصبحت عضويته مهددة. أما الجماعة التي حاول جويهل أن يدافع عنها فتركته يواجه مصيره وحيدا، ربما دافع عن جماعة توصف أحيانا بـ «قوم ما كاري» أي لا يعنيني الأمر. وتصدى لمجموعة اتحدت على إيذاء الكويت.. ومن يمنعهم عن تحقيق أطماعهم.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق