لم يعد ما يجري في الكويت يقبل المواربة, بل إنه يستدعي عرض الوقائع كما هي حتى لو كانت لغة التعبير عنها فجة, فما أثبتته الأيام القليلة الماضية أكد أن هناك من يعمل بالمثل الشعبي “قلنا ثور قالوا احلبوه”, فهؤلاء الذين شنوا حرباً شعواء لإسقاط الحكومة السابقة ومجلس الأمة وعطلوا التنمية, ودفعوا البلاد إلى فراغ دستوري استمر لأشهر عدة, وأشاعوا التوتر والخوف والحذر بين الناس, مارسوا كل ذلك تحت يافطة “الإيداعات المليونية” و”التحويلات” وغيرها من التلفيقات, التي حين عرضت في استجواب الشيخ جابر المبارك التزموا الصمت ونأوا بأنفسهم عنها.
ألقت تلك المجموعة بمختلف التهم على ناس كثر, وزعمت أن هناك راشين ومرتشين, لكن كل ذلك أسقطه سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك حين قال علنا في مجلس الأمة إن تلك الاتهامات لم تثبت, فالقضية لا تزال منظورة أمام القضاء, فيما ديوان المحاسبة يحقق بما سمي “تحويلات مالية” وكل ما تسرب عنها يفيد أن ليس هناك إيداعات ولا تحويلات كما صورت, وأدت إلى ابتعاد سمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد, وحل مجلس الامة, وحتى لو كانت هناك إيداعات كما يزعمون, فهي ليست جرمية.
رغم كل هذا لم تركن تلك الجماعة إلى الحق وظلت مستمرة بالعمل على تأجيج الوضع السياسي, غير مكتفية بالهرج والمرج الذي أوقعت به البلاد طوال أشهر, وما روجته من مزاعم وأباطيل إلى حد دفع بالأمناء والشرفاء إلى الابتعاد عن الواجهة السياسية حتى لا تدنسهم الاتهامات الكاذبة, أي أنهم كما تقول العامة “أوقفوا البلد على رجل واحدة” طوال تلك الفترة من أجل تولي أحمد السعدون رئاسة مجلس الأمة, وتمكين الإخوان المسلمين والسلف من السيطرة على السلطة التشريعية, في ما يشبه استيراداً للحال التي أصبحت عليها مصر حيث يواجه شعبها عنت من استولوا على القرار التشريعي ويسعون حالياً إلى تفصيل الدستور الجديد على مقاس رغباتهم ومصالحهم.
يختلف الأمر في الكويت عنه في مصر التي لها خصوصياتها الاقتصادية والمعيشية وحاجاتها الدافعة إلى ما نراه حالياً, فالدولة عندنا لا تزال مؤسساتها قائمة, ودستورنا موجود, غير إن طلاب السلطة يعبثون بالوفرة المالية ويعملون للانقلاب على النظام للإمساك بزمام قرار تعديل الدستور وتفريغ الدولة من مضمونها الذي سارت عليه طوال العقود الماضية, وردها إلى غياهب حقب مظلمة لا يعلم إلا الله وحده إلى أين ستؤدي بنا.
هل اكتشف الناس, ومن تجمعوا في ساحة الإرادة مرات عدة, وبعد كل هذا التوتر والإثارة إلى اي فخ يريد أن يقتادهم العابثون والمؤزمون?! ألم يدركوا أن الهدف كان حل مجلس الأمة وإبعاد رئيس مجلس الوزراء السابق لأنه أزعجهم بإصراره على تطبيق الدستور والقانون, اللذين طالما طالبوا بتطبيقهما نهاراً فيما كانوا يعبثون بهما ليلاً?
هل أدرك الناس أن هؤلاء جروهم إلى جحر ذئاب لا ترحم?! بعد كل ذلك ماذا ننتظر, هل ننتظر المزيد من الفوضى والانصياع لرغبات مفترسين لا يرحمون? في كل الأحوال لم يعد هناك إلا بعض الوقت حتى نرى أوراق التوت تتساقط وتتكشف العورات.
نعم, هناك شريحة عريضة من الناس أدركت أنها كانت ضحية بلاغة سياسية كاذبة, والويل لمن ثبت أنه كذاب أشر, رغم إدراكه كذبه لكنه يكابر, لهذا حق على هؤلاء قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”!
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق