احمد الجارالله: دولة القانون لا يرهبها ابتزاز



أجمع علماء السياسة على أن الدولة التي تخضع للابتزاز مرة, أيا كان مصدره داخلياً أو خارجياً, وتتخلى عن تطبيق قوانينها تفقد حصانتها وتبدأ بالانهيار التدريجي, واستناداً إلى هذا المبدأ لن تكون لدينا دولة قوية وقادرة إذا تخلت عن دورها في حماية شعبها ومؤسساتها وغضت الطرف عن المخالفين أو خضعت لابتزاز بعض المتجمهرين هنا أو هناك, أو لمطالبات نيابية بإطلاق سراح من يتعدى على النظام العام, لأنها عند ذاك ستغرق بالفوضى, ولن تقوم لها قائمة.

نعم, من واجب وزارة الداخلية أن تتحرك وتمارس دورها في حفظ الأمن من دون هوادة, وعليها ألا تخضع لتهويل بعض النواب للإفراج عن من خالف القانون, غير عابئة بعصا الاستجواب التي يلوحون بها, وللأسف, يبدو أنها ترهب بعض الوزراء المفترض بهم ألا يلاطفوا أحداً استجداء لاستبعاد سيف المساءلة الدستورية عنهم, فمن يخاف من تبعات منصبه عليه أن يعلن ذلك ويعتذر عن عدم قدرته على ممارسة واجبه على أكمل وجه ويتنحى, فسلطة القانون لا تقوم على الخوف.
رغم كل ذلك يبقى أملنا في القضاء الكافل والحامي تطبيق القانون, فلا يميز بين مواطن وآخر, ويبقى أيضاً لدينا هاجس يثير الخوف من أن تخضع هذه المؤسسة التي نجلها ونحترمها للابتزاز, عندها تفقد الدولة آخر حصونها الذي تحاول شرذمة من النواب هدمه بشتى الطرق, لا سيما أن الأمثلة على ذلك عديدة ومنها تجمع هؤلاء أمام قصر العدل قارعين طبول الإثارة ونافخين في مزامير التهديدات احتجاجاً على أحكام صدرت على بعض مرتكبي الجرائم المخلة بالأمن الوطني.
ولأن الشرذمة مهما رأت في نفسها من قوة تظل أضعف من الدولة فإن الرهان الحقيقي يبقى على القضاء فإذا كان بخير فالدولة بخير, وهو مبدأ عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل عندما كانت بريطانيا تواجه خطر الاحتلال في الحرب العالمية الثانية وعمت الفوضى أرجاء المملكة, قيل له يومها: إن الفساد يجتاح مؤسسات الدولة. فسأل: ماذا عن حال القضاء? أُجيب: إنه نزيه ولم يلوث بالفساد, فقال عبارته الشهيرة: إذن بريطانيا العظمى بخير. وبالفعل بقيت بريطانيا قوية وبخير رغم ويلات الحرب. ولأننا نريد أن تكون الكويت بخير أسعدنا كثيراً تصريح النائب العام المستشار ضرار العسعوسي بأن النواب الذين شاركوا في اقتحام مجلس الامة سيخضعون للقانون, وضمه البلاغ المرسل من رئيس المجلس الجديد أحمد السعدون إلى ملف القضية. هذا كلام يبعث على الاطمئنان, لا سيما سعي مكتب المجلس الحالي إلى تزوير بلاغ الاقتحام والتهوين من هذه الجريمة الكبيرة, كما يؤكد أننا أمام قضاء نزيه لا يهاب أحداً, وهو ما يجب أن تكون عليه كل مؤسسات الدولة, لنطمئن إلى أننا في دولة يحكمها القانون ولا تتحكم فيها مجموعات من الفوضويين والعبثيين أصحاب المصالح المشبوهة التي تتبجح في الدفاع عن الخارجين على القانون ومثيري الشغب.

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.