لسنا فقط من يتساءل “وين رايحين”؟ بل حتى شعوب دول ما يسمى بالربيع العربي أيضا تتساءل “وين رايحين”؟, فمنذ أن بدأ تحريك قطع الدومنو في المنطقة، وبدأت المتوالية بالسقوط وحتى يومنا هذا لم تهدأ الأوضاع في تلك الدول، ولم تتضح إلى أين تسير الخطوات على الرغم من رحيل بعض القيادات التاريخية وبروز قيادات جديدة.
لقد تحدثنا في مقال سابق عما حدث ويحدث، وهل جاء تحرك الشعوب العربية نتيجة لمؤامرة خارجية محددة الأطر والأهداف, أم جاء هذا التحرك تطبيقا لنظرية “الفوضى الخلاقة” أم أنها جاءت نتيجة سنوات من القهر والحرمان.
ويبقى السؤال الكبير هل حققت هذه الثورات والحركات أهدافها, هل استطاع المواطن العربي تغيير واقعه المر, ففي مصر وتونس حدث تغيير في غاية الأهمية، فقد تمكن الشعب من تغيير قيادات قضت سنوات طويلة في بناء إمبراطورية أمنية، فأجبرت تحت ضغط الشعب على التنحي، وشهد المجتمع في البلدين تحولا اجتماعيا ودينيا من أقصى التحرر إلى أقصى التشدد، وبرزت ظاهرة غاية في الخطورة، وهي محاولة كل طرف إقصاء الطرف الآخر، وعدم القبول حتى بالحوار معه، ولا يزال ذلك الصراع بين أطراف المجتمع يتعمق، ولا يزال المواطن في كلا البلدين يتساءل “وين رايحين”؟
أما في اليمن فقد تغيرت بعض الوجوه في القيادة، وبقي الوضع على ما هو عليه، ولا يزال الشعب اليمني يئن تحت وطأة مأساة إنسانية تعجز الدولة عن مواجهتها منفردة، ولا يزال المواطن اليمني يتساءل “وين رايحين”؟ أما في ليبيا فبعد حكم غريب وقائد أغرب أطلقت عليه أوصاف الدنيا, فمارس كل أنواع القتل والقهر والنهب والسرقة في محاولة منه لمنافسة صدام حسين في جرائمه وأفعاله، ولكن الشعب الليبي كما الشعب العراقي كان له موعد مع رياح التغيير، فتحرك وحرك الأرض تحت أقدام الزعيم الذي كان مصيره أسوأ من مصير منافسه في الإجرام والقتل, ولكن ما يؤسف له أن ممارسة الحرية أخذت منحى وأسلوباً فيه الكثير من الأخطاء ودخلت ليبيا في حالة مشابهة للحالة العراقية من تشرذم وفقدان للأمن وتفتيت للدولة, وصراع مرير من أجل الاستحواذ على ثروة طائلة تناثرت طوال السنين العجاف بين سرقات ودعم ثورات وحركات وحروب وغزوات، وأقامت مشاريع في الخيال وعلى الرمال ولم ينل الشعب الليبي أو العراقي منها شيئا، وغدا المواطن هناك يتساءل “وين رايحين”؟
وإذا ما دلفنا إلى الوضع السوري فالوضع يختلف، ففي اعتقادي أنه واهم من يعتقد أن سقوط النظام أصبح قاب قوسين أو أدنى في ظل وجود جيش يعدّ من الجيوش القوية في المنطقة بما يملكه من معدات وأسلحة حديثة, وهذا الجيش هو النظام, والنظام هو الجيش ولن يسقط هذا الحكم إلا بإجراء عملية فصل بينهما، ولن يستطيع الجيش الحر بما يملكه من معدات متواضعة مواجهة هذا النظام وجيشه، فالثورة الخمينية ما كان لها أن تنجح لولا تخلي الجيش عن الشاه, وكذلك الحال في مصر وتونس, ويتساءل المواطن السوري “وين رايحين”؟
أما في الأردن حيث بدأت بعض الحركات فإن الوضع يختلف، فالنظام الأردني يعتمد على مكونين أساسيين هما الحكم الهاشمي والعشائر الأردنية، وبينها ارتباط عضوي, حيث تدرك العشائر الأردنية أن البديل عن النظام الهاشمي يعني بالضرورة النظام “الفلسطيني” أو ما يسمى بالوطن البديل، وذلك في ظل أغلبية أردنية من أصول فلسطينية ذات سطوة اقتصادية وثقافية متميزة, مع حقيقة أخرى لا تقل أهمية، فإسرائيل لن تقبل بقيام دولة فلسطينية على حدودها, وهنا أيضا يتساءل المواطن الأردني “وين رايحين”؟
وأغرب ما في الموضوع أنه في ظل هذه الأنظمة العربية التي كان يطلق عليها بالأنظمة التقدمية وحكم الحزب الواحد والقبضة الأمنية كان الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي أكثر الشعوب العربية تمتعا بحرية التعبير والتنقل وتكوين الأحزاب والمنظمات بكل اتجاهاتها من أقصى اليسار كالشيوعية، مرورا بالقومية وصولاً إلى الإسلامية المتشددة, بل تجاوز بعضها حدود الطموح وحاول السيطرة على بعض الدول العربية؛ مما أدى إلى حدوث صراع مسلح, أدى بالضرورة إلى احتلال أعداد من الشعب الفلسطيني المساحة الأكبر في السجون العربية التي حملت راية الدفاع عن القضية الفلسطينية تفوق السجون الإسرائيلية.
في ظل هذه الدوامة من الصراعات, والوضع القاتم نجد البعض يحاول أن يغرز في ظهر هذا الوطن الغالي خناجر الغدر والحقد. “ويمكرون ويمكر الله, والله خير الماكرين”.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق