منذ أيام، كتب أستاذ القانون المصري (المتابع للشأن الكويتي دستورياً وسياسياً عن كثب) د. يحيى الجمل مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط وصل فيه إلى استنتاج بأن ما يحدث في الكويت هو نتاج أمرين:
الأول: الأوضاع القبلية.
الثاني: تيار الاخوان المسلمين.
ومن يتفكر فيما قاله الأستاذ يحيى الجمل يجده صواباً إلى حد كبير، فالقبيلة اليوم هي الوقود الحقيقي للحراك السياسي الجاري الآن في البلاد، والإخوان المسلمون هم المتربص بهدوء لجني المكاسب الممكن تحقيقها في الأيام المقبلة حسب ما يجري من التطورات السياسية، وذلك بحكم أنه التيار الوحيد المنظم، وبالتالي فهو التيار الوحيد القادر على فرض نفسه عندما تتغير معادلات اللعبة السياسية.
وبالنسبة للقبيلة، فان ما يجري في الكويت اليوم يدل دلالة قاطعة على فشل الدولة المدنية الكويتية الحديثة في احتواء القبيلة وادماجها بالدولة، فظلت القبيلة موجودة وإن تعلم أهلها وحازوا الشهادات وتنوروا لكن الدولة فشلت في صهر القبيلة في المجتمع، إما لجهل وسوء تخطيط، وإما عن خباثة ونية مبطنة لإبقاء القبائل «كانتونات» متناثرة سهلة الاستفزاز والتحريض والاستدعاء عند اللزوم.
ويبدو أن هناك من كان يظن ان ابن القبيلة في الكويت سيظل مطواعاً سهلاً قابلاً للتوجيه غير مدرك ان ابناء الجيل القديم لن يظلوا على حال سابقيهم.
لقد حولت الدولة مع الأسف اما جهلاً او خباثة مضارب القبيلة من بيوت الشعر الى المضارب الاسمنتية، لكنها حافظت على الطبيعة القبلية لهم في تقسيم المناطق التي فيها بيوتهم، وصارت بيوتهم عبارة عن تجمعات قبلية معلومة في أماكن محدودة بالبلاد، وكل بقعة لقبيلة حتى صار يكفيك أن تسأل أين تسكن؟.. لتعرف من اجابته من أي قبيلة هو؟!
الآن القبيلة التي كبر أبناؤها بعدما أخذوا نصيبهم من التعليم، صار منهم أساتذة جامعات وأطباء ومهندسون ومخترعون ومثقفون وكتاب وصحافيون وتجار، ابن القبيلة دخل في كل أرجاء وأنواع العمل في البلاد، لكن الدولة المدنية الحديثة، كما قلنا فشلت في صهره بالمجتمع.
لقد ظل ابن القبيلة الكفؤ مضطراً للانتماء العصبي ليتمكن من أخذ حقوقه في الترقي والتعليم والعمل والتطبب وغيره من الاحتياجات.
اذا بحثوا عن وزير سألوا عن قبيلته اولا، ان مرض احتاج ممثلا عن قبيلته ليتوسط له للعلاج في الخارج، نفس الأمر لكي يجد عملا او لكي يرسل الى العلاج.
ربما كان الفشل في صهر القبيلة في المجتمع عن سبق اصرار وترصد، ولو كان كذلك فهو سلوك ساذج كان يأمل ان تظل القبيلة محافظة على عصبيتها الى ابد الآبدين فيسهل استدعاؤها عند اللزوم مثلما يسهل صرفها عندما تنقضي الحاجة.
وربما ان الفشل في صهر القبيلة كان عن حسن نية، من منطلق ان ابناء القبائل يفضلون السكن في تجمعات واحدة ليحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وتواصلهم الاجتماعي، لكن الأكيد، ان الدولة كما تعرفها العلوم السياسية هي «البوتقة التي تنصهر فيها كل مكونات المجتمع»، وهنا، وبما ان القبيلة لم تندمج ولم تنصهر كما يجب، فان تكوين الدولة الكويتية المدنية الحديثة يظل ناقصاً غير مكتمل. وهذا النقصان يظل موضع تهديد دائم لها.
أما الاخوان المسلمون، العنصر الثاني الذي رآه الأستاذ يحيى الجمل سبباً لما يحدث في الكويت اليوم، فهم نتاج الدولة ايضا، فالدولة هي التي بذرت بذورهم، والدولة هي التي سقت هذه البذور ووفرت لها التربة الخصبة وتكفلت براعمها بالرعاية والعناية وتوفير كل المتطلبات، حتى صاروا يملكون كل شيء.. (من الإبرة إلى الصاروخ)، وحتى صار المنتمون اليهم (اقتناعاً او انتهازية) يعرفون وهم ما زالوا على مقاعد الدراسة اين سيتوظفون في الدولة أو في الشركات الكثيرة التي تمتلكها الجماعة فور تخرجهم، بينما الآخرون من أبناء الكويت ينتظرون دورهم في طابور طويل لا يجب ان نراه في دولة ثرية، والدولة بالطبع لم تقبل على الاخوان المسلمين وترعاهم الا هروباً من القوميين العرب وافكارهم ونزعاتهم الانقلابية والثورية، لهذا زرعت بذور الاخوان المسلمين وسقتها ورعتها لتخلق توازنا في المجتمع، توازناً يتقبله المواطن الكويتي المحافظ الميال الى التدين بطبيعته التي تنفر من الفكر اليساري والاشتراكي.
المؤسف حقاً، هو ان الدولة التي تخلق اللاعبين تنسى دائماً وضع ضوابط وقوانين اللعبة لهم، كما ان الحكام يتغيرون، والالعاب التي كانت تصلح في تلك الازمنة ربما لا تصلح اليوم ويجب الاسراع بتغييرها.
اليوم.. وقبل ان تعاتب الدولة ابناء القبائل الذين تغير مزاجهم الموالي وتحول الى المزاج المعارض المتأهب، لزام على الدولة ان تعاتب نفسها، وان تتوقف فوراً عن التعامل مع ابناء الكويت كممثلين عن جماعات وكانتونات واثنيات واعراق، وان تبدأ التعامل مع الجميع من منظور واحد هو الكفاءة والاستحقاق ويدعمها في ذلك القانون، بعيداً عن المفاهيم المتخلفة التي ربما كانت تصلح للأزمنة الغابرة، لكنها بالتأكيد لا تصلح اليوم.
٭٭٭
إذا، انقطع الحوار، انقطع العقل معه، ولا حوار إلا بالاستعداد لتقديم التنازلات، رسالة إلى الطرفين المعارضة أولاً.. والحكومة ثانيا.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق