يبدو أن تركيبة المجلس المقبل، الذي سيأتي بعد أزمة سياسية ألمت بالبلاد، كان من آثارها أن أبطل دستوريا مجلس 2012، أصبحت هاجسا للكثير من المواطنين. ولا شك أن هذه التركيبة من حيث نوعية أعضاء هذا المجلس وتوجهاتهم، ستحددها نسبة المشاركين في التصويت. فمع المقاطعة التي أعلنها الكثير من النواب السابقين، لا أعتقد أنه ستكون هناك أزمة في الاقبال على الترشيح. لكن ماذا لو كانت مقاطعة التصويت فعالة وتؤدي إلى وصول مرشحين إلى النيابة عن الأمة بأصوات تقل عن 500 صوت، مبدين حماسا لدعم الحكومة التي جاءوا لمراقبة أدائها، محرجين الحكومة نفسها، وهي حالة معاكسة لموقف نواب الأغلبية لمجلس 2012. فنسبة لا بأس بها من المواطنين، الذين يخشون وصول نواب منتفعين وراشين ومرتشين إلى المجلس المقبل، استاءت كذلك من مواقف وتوجهات نواب أغلبية 2012. ولكن لنرجع قليلا إلى الوراء لنتعرف على الظروف الموضوعية التي أدت إلى تحقيق الأغلبية أغلبيتها في مجلس 2012.
لا شك أن موجة الربيع العربي كان لها الأثر في تقوية التيارات الإسلامية ضمن الحملة الانتخابية لمجلس 2012. فوصول أحزاب سياسية إلى قمة السلطة في دول مثل مصر وتونس، عزز موقف التيار الإخواني (حدس). كما استفاد كذلك التيار السلفي في الكويت من المؤثرات الخارجية. ومع تأثير الربيع العربي، إلا أن السبب الرئيسي وراء نجاح أغلبية 2012 كان الجهود والمواقف المعلنة لأعضاء مجلس 2012 ممن كانوا أعضاء في مجلس 2009 من فضيحة الايداعات المليونية التي تورط فيها 13 نائبا من أعضاء هذا المجلس. وتشكلت الحملات الانتخابية لمجلس 2012، مركزة على شعارات لوقف الفساد. وكان أن تشكل اجماع شعبي لوقف الفساد، كان أثره المباشر هو نجاح أغلبية متشعبة الاتجاهات، وإن كان يطغى عليها توجهات «حدس» والتيار السلفي. ويكون الأمر أكثر تركيزا عندما يجتمع التيار السلفي أو الحدسي مع الخلفية القبلية. وتولدت لدى هذه الأغلبية توجهات ورؤى سلطوية غريبة. فكان أن أصدرت قانونا بإعدام المتعرض للذات الإلهية أو الرسول (ص). وهو أمر يكون احتمال سوء الفهم فيه كبيرا، وينقل الكويت لتكون جزيرة في القرون الوسطى محاطة بعالم حديث. والدفع بمثل هذا القانون من قبل نواب مثل محمد هايف وأسامة مناور ليس بالغريب. لكن أن يدعمه نواب مثل عبد الرحمن العنجري ومحمد الدلال جعلنا نستوعب من جديد كم أن السياسة هي فن الممكن. ولكن حكمة القيادة أنقذت البلد برد هذا القانون إلى المجلس.
كما أن الأغلبية أفرطت في معارضتها ومواقفها السياسية، فهناك شك ورفض من قبل النواب لأمور من الحكومة لا تتطلب المعارضة. وليعذرني بعض النواب إن رأيت أن نجاحاتهم لأسباب قبلية أو عائلية أو طائفية، لا تؤهلهم لأن يكونوا خبراء في الاقتصاد والشؤون الخارجية. ولنأخذ مثالا على ذلك ما صرح به مؤخرا أربعة نواب من مجلس 2012 على مرسوم الضرورة القاضي بتسوية ديون الخطوط الكويتية على «العراقية» بمبلغ 500 مليون دولار. فقد صرح نائب بأنه «لم تستطع مجالس الأمة من 1992 إلى 2012 أن تقبل بإسقاط ديون العراق، وتأتي السلطة بليلة ظلماء فتقرر ما لا يريده الشعب». فهل يعتبر النائب تسوية بـ 500 مليون دولار اسقاطا للديون، وإن كان المبلغ الذي ستحصله الخطوط الكويتية أقل من توقعاته، فهل تكون المنافع للكويت مقصورة القياس بالدولار فقط؟ هل تسوية أمر يقلق البلدين الجارين بعد 22 سنة تحسب ماليا فقط؟ وقد شارك النائب اعضاء آخرون في موقفه حول هذه التسوية!
إن نسبة لا بأس بها من المواطنين، وقد ساءها طغيان أغلبية مجلس 2012 في كثير من المواقف السياسية، هي نفسها خائفة من نتائج انتخابات المجلس المقبل. لن تكون هناك أزمة مرشحين، لكن ماذا لو تدنت نسبة التصويت مولدة أغلبية تهيمن عليها قوى فساد؟! وان كانت نتائج الانتخابات مقياسا لدرجة الوعي في لحظة زمنية معينة، فأين سيقودنا هذا الوعي في ديسمبر المقبل؟ فعسى أن تنقذ المشاركة في التصويت الموقف.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق