من يتابع ما يجري في الكويت من احتجاجات ومسيرات ومواقف شرائح المجتمع منها، وهي مواقف متباينة، لابد أن يستذكر مواقف شرائح المجتمع الكويتي من أحداث البحرين. في أحداث البحرين وقف قسم كبير من الكويتيين ضد مطالب شريحة كبيرة من البحرينيين بدعوى أنهم ينفذون أجندات خارجية مدعومة من إيران، وأنهم بمسيراتهم وتجمعاتهم عطلوا مصالح الناس، وأن ما يقومون به يتعارض مع القانون، وأنهم اعتدوا على رجال الأمن، وبالتالي يجب سحقهم والقضاء عليهم، في حين كان قسم آخر من الشعب الكويتي يعتبر أن ما يقوم به المحتجون في البحرين من احتجاجات هي للتعبير عن مطالب شعبية عادلة، وأن ما تقوم به السلطة هناك هو انتهاك لحقوق الشعوب والإنسان، وأن من حق من يشعرون بالظلم أن يعبروا عن آرائهم بتجمعات أو مسيرات، وأن من واجب الدولة أن تسمح لهم بذلك.
دارت الأيام وإذا بالمشهد البحريني يتكرر في الكويت -وإن كان بخصوصية كويتية- ليتبادل الفريقان نفس المقولات التي كانت تقال في حالة البحرين، فمن كان يعتبر ما يقوم به البحرينيون تخريبا وتهديدا للسلم الأهلي وتهديدا لشرائح المجتمع الأخرى، وطالبوا بقمع هذه المسيرات وهللوا وباركوا دخول القوات السعودية للبحرين للمساعدة في قمع مطالب الشعب، وسكتوا على تدمير المساجد واعتقال قادة المعارضة، أصبحوا يتباكون اليوم على حق الشعب الكويتي في التعبير عن آرائه ومطالبه، ومن كان بالأمس يتباكى على ما يتعرض له البحرينيون من قمع وتعسف أصبح اليوم يهلل ويبارك التعسف والقمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية بحق المحتجين بدعوى أنهم يخربون البلد، وأن لهم أجندات خارجية مدعومة من قطر، وتعدى ذلك إلى الشماتة والتحريض.
يا سبحان الله كيف تتبدل المواقف بحسب العصبيات والانتماءات المذهبية. بالطبع سيسارع هذا الطرف إلى القول إن «حالة البحرين غير»، ويسارع الطرف الآخر إلى القول إن «حالة الكويت غير»، ومع وجود فوارق هنا وهناك في حجم المعاناة والعنف والظلم الممارس ونوعية المطالب إلا أن جوهر الفكرة واحد، وهو أن من حق الشعوب أن تطالب بالإصلاح سواء اتفقنا أم اختلفنا مع بعض هذه المطالب أو آلياتها، وأن من حقها أن تعبر عن هذه المطالب بشتى الطرق السلمية المشروعة.
في ظل حالة الهيجان العاطفي المبني على العصبية، وهي الحالة التي تغيب معها معايير الإنصاف والموضوعية، قليلون هم من كانت المسطرة التي يقيسون بها الأمور واحدة في الحالتين، وهؤلاء هم الذين لا يفصلون المبادئ والقيم الأخلاقية على مقاس أهوائهم وعصبياتهم. فعلاً كشفت أحداث البحرين والكويت أن الناس -إلا من رحم ربي- متناقضون في تطبيق المبادئ التي يدعونها، وأن الدافع الرئيسي الذي يحركهم هو العصبية والطائفية، وإن كانوا يظنون غير ذلك. على جميع من يقول إن «هذه الحالة غير» أن يتخلى عن عصبيته، وينظر بعين موضوعية ليرى إن كان لديه مسطرة واحدة يقيس بها الحالات جميعها، أم أن لديه مساطر بقياسات متعددة بواقع مسطرة لكل حالة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق