عبداللطيف الدعيج: تصحيح للعبث

لسبب ما يصر البعض على طمس الركود والضياع اللذين مر بهما البلد طوال السنوات التي تفردت فيها الاسرة الحاكمة والتحالف الديني القبلي بادارة البلد. وبالذات السنوات التي اعقبت حل مجلس الامة عام 1976 وانتهت بضياع البلد وسقوطه تحت اقدام صدام حسين. كل ما حدث في هذه الفترة من انتهاك للدستور وتعدٍ على الحريات وانصراف عن التنمية وزرع للقيم والمعتقدات البالية، كل هذا تم التغاضي عنه. بل لم يتم التغاضي عن الغزو واسباب السقوط الشنيع للكويت وحسب، بل اعيد لنا من تسبب في الغزو وفي سقوط البلد على انهم ابطال الكويت وفوارس التحرير.

وعندما بدأت المحاولات الجادة لتعويض ما فات، واصلاح ما افسده التحالف الثلاثي السلطوي – القبلي – الديني، بدأ «العصيان» واشتغلت المعارضة الجديدة، واخذ البعض يضع العصي في اي دولاب. منذ ان اصر حضرة صاحب السمو عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء بالنيابة على تحصيل رسوم الكهرباء بدأ النفور من بعض اركان التحالف من النظام والحكم. وعندما تم رفض تضرعات النائب ضيف الله بورمية باسقاط القروض تحول النفور الى معارضة، بل وعداء. وبالنسبة للذين لم يعودوا متوافقين والاوضاع المستجدة زادت الطين بلة مشاريع الخصخصة ومشروع «الداو كيمكال» الذي كان استثمارا في المال والانسان وليس هدرا على السياحة الصحية او تبذيرا على دراسات، وبعثات عليا لا تنتهي الا بشهادات مزورة او في احسن الاحوال تواقيع بلا دوام، وهي التنمية الوحيدة التي تتفق وعقلية التحالف الديني القبلي. وتلى ذلك حرب الكوادر وزيادات الرواتب والبدلات التي دفعت ببعض اشخاص المقاطعة الى مساندة اي مطالبة ودعم اي اضراب لفرض تلك الكوادر او الزيادات. وكما كان للعوامل الخارجية دور في تشكيل واحياء التحالف الثلاثي (راجع مقال الخميس الماضي) كان لهذه العوامل ايضا دورها في فك التحالف الذي لم تعد «السلطة» طرفا اساسيا فيه. احداث البحرين ومطالبة المجاميع الدينية والقبلية بتدخل الكويت ضد الشعب البحريني التي جوبهت بالتجاهل من قبل الحكومة، دفعت بمجاميع التخلف الى استجواب الشيخ ناصر بتهمة الانحياز الى ايران!.. وعندما بدأت الاضطرابات الطائفية في سوريا طالبت المجاميع ذاتها بضرورة تدخل الحكومة ضد النظام هذه المرة ونصرة للشعب!.. وطبعا كان للحكومة موقف متردد ازاء دعم الاضطرابات في سوريا مما عزز من عداء مجاميع التخلف لها. وربما كان، والله اعلم، الاعلان عن بدء تنفيذ مشروع مدينة الحرير التي لا تتوافق لا شكلا ولا موضوعا مع عقلية التحالف، فهي مثل مشروع «الداو» لن يكون لهم نصيب في العمل ولا حتى السكن فيها، ربما كان ذلك القشة التي قصمت ظهر التحالف الثلاثي وادت بالمجاميع الدينية والقبلية الى اعلان الحرب على النظام.

لا يعنينا هذا كثيرا الان، فقد اتينا على بعض منه في مقال الخميس، ما يعنينا هو تأكيد ان التحالف الديني القبلي و«مكتسباته» غير المشروعة تم التمهيد والتخطيط لها منذ الستينات. هذا التخطيط جعل من العملية الانتخابية مطية سهلة للتحالف يحقق من خلالها اغلبية مصطنعة. فقد تم تزوير الانتخابات في اول عبث حقيقي في الانتخابات عام 1967، اعقبتها عمليات التجنيس العشوائي، واعلم ان الكثيرين يسعون الى تناسي هذه العملية، ونحن ايضا.. فمن جنس.. جنس، وأولاده واحفاده كويتيون اليوم، ولن يضيرنا وجودهم بيننا فهم في النهاية منا وفينا. لكن نصر على ايراد الحقائق وتبيان التخريب السلطوي الذي نعاني آثاره اليوم. فالتجنيس لم يكن بهدف اكتساب مواطنين او خبرات مهنية، بل كان بهدف ترجيح العملية الانتخابية وتعزيز مواقع التخلف والعداء الديموقراطي في السلطة. لهذا تمت مع عمليات التجنيس «قبلنة» المجتمع الكويتي وليس تكويت او حتى مَدْينة المجنسين. قبلنة المجتمع التي ترافقت مع الادينة بعد حل مجلس 1976 والعبث الذي حدث في الجداول الانتخابية الذي ادى بالقوى الوطنية الى مقاطعة الانتخابات عام 1970 ثم تغيير الدوائر لمصلحة التحالف السلطوي عام 1981.. كل هذا أدى الى تراكم العبث والى ان تصبح العملية الانتخابية وسيلة السلطة او بالاحرى تحالفها الثلاثي للتحكم في النظام الديموقراطي وتفريغ الدستور من محتواه بعد ان عجزت قوى التخلف عن تنقيحه.

كما بينا، مرض المرحوم الشيخ سعد ثم وفاته اعادا بعض الامور الى نصابها بتولي حضرة صاحب السمو الامير الحالي مسؤولية الحكم. وما حدث ويحدث منذ تولي صاحب السمو مقاليد الامور هو خطوات اولية نحو تعزيز المجتمع المدني ونحو ايجاد صيغة وطنية مشتركة تكفل لكل الكويتيين التمتع بنظام ديموقراطي عادل.

هذا ما يمثله قانون الدوائر الخمس بصوت واحد. هو صوت واحد لا غير لكل كويتي، للحضري صوت، والبدوي صوت وللطائفي ايا كانت ملته ايضا صوت واحد. لا فضل ولا قوة لهذا على ذاك، بل مواطنون متساوون في القدرات والفرص. نظام الاصوات الاربعة يتيح للقبلي او الطائفي الذي اجرت قبيلته او طائفته او حتى حزبه الانتخابات الفرعية او التشاورية حسب الاصرار ان ينتخب اربعة ممثلين كاملي الدسم. المواطن المدني هو وحظه، قد ينجح واحد ممن ينتخب وقد ينجح اربعة وقد لا ينجح احد على الاطلاق. نظام الصوت الواحد الذي يبقي الدوائر على ما هي عليه والناخبون على وضعهم ليس الامثل بالأكيد، لكنه خطوة اولى لتصحيح العبث الحقيقي الذي يصر اعداء الديموقراطية على التمسك به.. ان نظام الخمس والاصوات الاربعة هو حصيلة عبث مطول من السلطة بالعملية الانتخابية.. حصيلة التزوير وحصيلة نقل الاصوات وحصيلة نائب الخدمات وحصيلة العبث بالدوائر سنة 1981… وليس نظام الصوت الواحد الا محاولة جادة لتصحيح ذلك.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.