.. لي صديق كويتي – رجل أعمال – ابن عائلة معروفة ومليونير ابن ملياردير، سخي وكريم وعطوف ولا تعرف يسراه ماذا تقدم يمناه، من عشاق الانواع الفاخرة للويسكي الاسكتلندي الاصلي، و«الجن» الانجليزي المعتبر، و«الفودكا» الروسية «الحاجمة»، ويحب النبيذ الابيض مع «الميد المشوي» ظهرا، و«النبيذ الأحمر» مع «الستيكات» ليلا!! من كثرة شربه للخمور كنت اخشى عليه من «تشمع الكبد» والموت مبكرا اذ تعارفنا في منتصف التسعينات وكان في منتصف الاربعينات من عمره! مرت الايام والشهور وباعدت بيننا المشاكل والهموم وذات يوم، جاءني اتصال هاتفي من صديق مشترك – لي وله – يقول فيه: «بوعبدالرحمن، ما دريت عن.. بوفلان»؟! قلت: «عسى ما شر؟.. توفي بالتشمع الكبدي»؟! ضحك كثيرا وقال: «لأ.. قصر دشداشته وطوّل لحيته وصار.. مطوع»!! كانت ردة فعلي عفوية جعلت الصديق يضحك اكثر حين قلت: «أفا؟ ليش.. جذي»؟! المهم، مرت عدة شهور اخرى، وخلال وجودي في فندق «شيراتون» لتقديم التهنئة في حفل زواج، وجدت انسانا بلحية كثة ويبدو وكأنه «رجل الكهف» يجلس على كرسي بعيد في «القاعة الماسية» ويلتهم – بلذة عجيبة – طبقا كبيرا من الكنافة والحلويات الشرقية، فعرفت انه من كان «يلكه لكَّاً كثيرا» في الماضي ثم صار «مطوع»، ولان المطاوعة والملالوة يحبون. «الشيرة وايد»!! بعد السلام والترحيب – ودفعه بعيدا عني لاصراره على تقبيلي ومنعه من اكمال مهمته تلك نظراً لانني لا احب تقبيل الرجال على الاطلاق – جلست بجواره وسألته – مازحا – «ما اخبار الويسكي والفودكا»؟ فهز رأسه يمنة ويسرة – عدة مرات – وهو يقول: «معاذ الله.. معاذ الله.. معاذ الله» فاعتقدت انه يذكر لقب احد قيادات الاخوان المسلمين، وقبل ان يقولها للمرة الرابعة «خبطته» بسؤالي الثاني: «متى حدث هذا التغيير؟ وكيف»؟! اعتدل «بوأحمد» في جلسته ونظر في كلتا عيني وابتدأ سرده وكأنه يحكي حكاية للمرة «المليون» قائلا: .. «ذات ليلة، كنت في بيتي اشرب – المنكر – كعادتي منذ الساعة الثامنة او التاسعة ليلا، مر الوقت ببطء، وانتهت زجاجة الويسكي التي كانت في منتصفها حين ابتدأت في احتسائها، ذهبت الى الخزانة واحضرت زجاجة جديدة، وملأت كأسا تلو الآخر حتى تأخر الليل.. كثيرا!! يكمل أبوأحمد حكايته بينما كانت عيناي تلاحظان انه «لحس» صحن الحلويات عن آخره.. ويقول: «نظرت الى الساعة وكانت قد بلغت الثانية بعد منتصف الليل، وفجأة.. رأيت سحابة بيضاء.. وكأنها دخان – تظهر امامي فجأة»!! قاطعته – مازحا – «أكيد كنت تشرب ويسكي بدون.. ثلج»! تجاهل تعليقي واستطرد: «شعرت بأن السحابة قد دخلت الى حلقي وانفي وما هي الا دقائق حتى شعرت بكراهية شديدة لهذه الزجاجة الملعونة التي امامي، فقمت من فوري وكسرتها في البانيو، وفتحت المخزن واخذت افتح اغطية الزجاجات كلها واصبها على ارضية الحمام، وبعدها، خرجت من البيت متجها الى المسجد الذي يجاورنا – وكان بابه مغلقا – فأخذت اضرب على بابه بشدة بكلتا يدي حتى ايقظت حارسه وكان بنغاليا وسألني عن حاجتي فقلت له بانني اريد الصلاة فقال ان المسجد مغلق وسوف يفتح بعد ساعات قليلة لصلاة الفجر، فجلست عند الباب ابكي حتى تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، فدخلت وصليت ولازمت المسجد اسابيع وشهورا حتى هدأت نفسي، ثم صرت داعية وتزوجت اختا داعية مثلي – على زوجتي الاولى وام اولادي – والثالثة ان شاء الله في الطريق»!! قال جملته الاخيرة هذه وضحك بصوت عال وصل حتى مسامع العريس الشاب الذي – بالكاد – لم يفرح بعد بالدخول على زوجته.. الاولى!! أتفهم تماما أية أسباب – او احداث جسام – يصطدم بها المرء في حياته – فتجعله يعيد النظر في امور لم يكن على استعداد حتى لمناقشة قناعته بها!! صديقي العزيز «أبو أحمد» لم يكن يخطر في باله – ذات يوم – ان يطيل ذقنه الى ما دون صدره وهو الذي يحلقها – وينعمها – كل 12 ساعة وقبيل كل سهرة ماجنة، لولا.. تلك السحابة البيضاء التي – اعتقد – انه رآها ودخلت الى حلقه وأنفه وجعلته ينقلب رأسا على عقب ويسلك طريق آخر في الاتجاه.. المعاكس! انا – شخصيا – كنت احمل افكارا ومعتقدات وايدلويوجيات ونظريات ومفاهيم لو اجتمعت الانس والجن والعفاريت ووحوش الارض لتجعلني استبدلها بأخرى ما فعلت ذلك على الاطلاق، لولا.. تلك الدبابة العراقية التي اجتازت حدود بلدي في الثاني من آب 1990 لتجعلني اكتشف زيف افكاري وضحالة ايدولوجيتي وسخف.. قناعاتي!! سحابة «بو أحمد» و«دبابتي».. سببان قويان – لكل منا – ليقوم بتغيير شامل في «تحابيش» دماغه، لكن الذي لا افهمه ان يغير احد «ثوابته» – أو التي اعتبرها كذلك – دون سبب واضح معلن مثل «السحابة» و«الدبابة»!!.. «تبون خيارات».. كعادة الكويتيين.. أو «الدليل»؟! اليكم ما كتبه الزميل «محمد عبدالقادر الجاسم» – رئيس تحرير «الوطن» السابق – بتاريخ 1998/6/9 عن «زعيم – إلا الدستور» احمد السعدون وكيف كشف – في سطوره التالية – علاقة «بوعبدالعزيز» مع قطر قبل اربعة عشر عاما، وحتى قبل ان يلتقط «مغناطيس الدوحة» بقية الجوقة من – ما يسمى – بـ«نواب الاغلبية»!! هذا المقال يذكرني بالصورة الشهيرة التي ينشرونها في الاعلانات «للصلع» و«اهل الكروش» و«الاسنان التالفة» ويكتبون عنها: «Befor»، و«after»!! نعيد نشر المقال القديم للزميل وهو بعنوان «قد بلغ السخف مداه» تعميما للفائدة والذي يقول.. فيه:
٭٭٭
كثيرة هي الأحاديث التي يدلي بها السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الامة، وكثير هو الشطط والرعونة في تلك الاحاديث، ولو اراد اي عاقل ان يحلل نتائج احاديث السعدون في السنوات التي تلت تحرير البلاد حتى اليوم فان النتيجة الواضحة ان الرجل في منتصف الطريق الى اسفل، ولن يعوز المرء دليلا اذ يكفي ان نعلم ان عدد الحضور في آخر ندوة «جماهيرية» عقدها السعدون وآخرون قد بلغ في حده الاقصى 120 شخصا تقريبا بما في ذلك طبعا الصحافيون وسكرتارية النواب والاصدقاء المجاملون وأفراد أمن الدولة، ولو كنت مكان أحمد السعدون لاعتبرت الحضور القليل اشارة لانحسار الشعبية، لكن لكل مقاييسه، فكما ان احمد السعدون رأى ان حضوره لمباراة كرة قدم بين ناديين قطريين هو أمر أكثر اهمية من تلبية دعوة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، فقد يرى انخفاض عدد الحضور لندوته «مؤشرا طيبا»، على اي حال ولو احتكمنا الى المنطق الذي يعرفه احمد السعدون جيدا وهو منطق «كرة القدم» فاننا نقول له ان افضل وقت لاعتزال اللاعب هو حين يكون في قمة عطائه لا في ذروة الانحطاط، وكذلك الامر بالنسبة للسياسي.
لقد قال احمد السعدون في ندوة امس الاول: ان هناك مؤامرة يستهدف اصحابها السيطرة على البلاد، وقال ايضا ان مستقبل ابناء الكويت في خطر واتهم القضاء بانعدام الامانة، وطالب بحركة شعبية اكبر من مجلس الامة، وقال ايضا ان النظام السياسي في الكويت في خطر.
ان حديث احمد السعدون هذا لا يخرج عن امرين، اما وعي وادراك او سفه وحماقة، فالفرد العادي حين تكون لديه معلومات مفادها ان النظام السياسي في خطر فهو مطالب بابلاغ السلطات العامة رسميا وتفصيلا، وان لم يفعل ذلك فهو متواطئ.
فان كان حديث السعدون عن المؤامرة صحيحا فان امتناعه عن ابلاغ السلطات بما لديه تواطؤ، ولا يرقى الحديث في ندوة عامة الى مرتبة ابلاغ السلطات العامة المبرئ للذمة، أما اذا لم يفعل احمد السعدون ما سبق فان حديثه لا يعدو ان يكون حماقة ورعونة وتضليلا يغذي ذلك كله رغبته في البقاء السياسي.
ان الاختيار بين الرعونة والوعي متروك للعقلاء سواء كانوا نوابا في مجلس الامة او مواطنين عاديين، ولن أدفع في أي اتجاه لكنني أود أن أعبر عن وجهة نظر شخصية فأقول إن أحمد السعدون قد تمادى كثيرا فحين يدعو الشعب للتحرك بعد ان يوحي ان القضاء فاسد وان النظام السياسي في خطر فلاشك انه فقد اتزانه.
ان للسفه والرعونة والحماقة مظاهر وعلامات، وحين يتلهف المرء على حضور مباراة كرة قدم وهو في سن ومكانة احمد السعدون فهذا دليل على احد امرين: اما السفه او الحكمة، ولكم الاختيار.
لقد استكثر احمد السعدون على سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ان يدعو المواطنين الى حفل عشاء، وان يتحدث اليهم، واعتبر هذا الامر انقلابا على الدستور والمؤسسات الدستورية، لكنه في نفس الوقت اعتبر حديثه هو شخصيا الى مائة نفر والتحريض على النظام القائم والدعوة الى «التحرك الكبير» عملا وطنيا يستحق الاشادة!
ألم نقل ان للسفه والرعونة والحماقة علامات؟!!
وهل هناك من يرغب في اقتسام الحماقة والسفه والرعونة؟!!.
٭٭٭
.. بالفعل، «يبلغ السخف مداه» حين لا تكون هناك «سحابة» ولا.. «دبابة»!! و.. هناك الكثير ممن يرغبون «في اقتسام الحماقة والسفه والرعونة»!!
فؤاد الهاشم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق