مع عدم استصغار دور كل رموز المعارضة السياسية اليوم، ومعها القوى والتجمعات السياسية والكتل الشبابية والمكونات الاجتماعية والمجتمعية الأخرى المنتمية لها، إلا أنني أحسب أن اللاعب الأبرز- بل الأوحد- الذي تتوفر فيه مقوّمة جني الثمار وحصر النتائج والاستفادة من كل ما يجري من تغير الأوضاع في الكويت هو الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، والمسمى بالحركة الدستورية الإسلامية، وذلك لعدة أسباب أهمها:
أولا: إن تنظيم الإخوان المسلمين المنبثقة منه «حدس» يعد بحق من أكبر القوى السياسية المنظمة في المجتمع، كونها تحتضن قاعدة شعبية كبيرة في جميع مناطق الكويت تقريباً، وتملك يدا استثمارية مالية تجارية عملاقة، وتسيطر على مؤسسات اجتماعية وتكافلية كثيرة، وتقود مجالس إدارات جمعيات نفع عام ونقابات واتحادات طلابية مهمة، ولديها خبرة ضاربة جذورها في التاريخ السياسي في كيفية التعامل مع الحكومات الكويتية المتعاقبة بطرق براغماتية تعينها على الاستفادة القصوى من كافة الفرص المتوفرة، فتجدها تستخدم تكتيكات تعالج التناقض بين وجودها في الحكومة والمعارضة معاً، وإن سارا في طريقين متضادين لتستثمر وجودها في الموقعين.
ثانيا: إن هذه القوى السياسية تمثل فرعاً من التنظيم الدولي للأخوان المسلمين في العالم العربي الذي استطاع أن يجني ثمار عدة ثورات عربية ليسيطر على عدة حكومات في المنطقة بشكل مباشر، كما هو الحال في مصر وتونس، وبشكل غير مباشر كما هو الحال في اليمن وليبيا. وبالتالي فإن الأمر قد تجاوز الدعم المعنوي ليصبح بمثابة استحقاق يفكر به قادة كل القوى والتجمعات التابعة للتنظيم الدولي للإخوان في العالم العربي، وليس فرع الإخوان المسلمين في الكويت عن تلك الحقيقة ببعيد، وخاصة أن هناك الكثير من المؤشرات الداخلية والخارجية التي تشير إلى أن هناك أمرا ما يدور بعيداً عما هو مطروح في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية.
وليس بغريب على تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت أن يكون له نصيب الأسد في مواقع جني الثمار مع السلطة السياسية في البلاد، وهو الأقدر اليوم على تكييف الظروف السياسية الداخلية باتجاه رياح التغيير العربية التي بدأنا نلمس بعض ملامحها من خلال رفع سقف المطالب، من الحكومة الشعبية ورئيس الوزراء المنتخب إلى الحديث صراحة عما يسمى بالإمارة الدستورية في زاوية من المشهد، وتكملها زاوية أخرى هي سيطرة تنظيم الإخوان المسلمين على آلة الشباب المحرّكة لنزول المعارضة بكل مكوناتها إلى الشارع سواء عبر الاعتصامات والندوات أو المسيرات، وما يرافقها من صدامات مع قوات الأمن التابعة للدولة.
وكلنا يتذكر كيف فقد نواب المجلس المبطل الدفّة الحقيقية للقيادة المسيطرة على سلوك المعارضة والموجّهة لها مباشرة بعد صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس 2012، حين اضطرت كتلة «الأغلبية النيابية» إلى الاستجابة لمطالب الشباب المسيطر عليهم من قبل حركة «نهج» التي لا يمكن اعتبارها حركة شبابية عفوية بريئة خرجت من رحم احتجاجات ساحة الإرادة، بل هي التي جاءت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين لتتغلغل بكل تمكن في الحراك المعارض فتصل إلى أن تكون القوى المنظمة فيه، بل والمحركة له.
ولست هنا في صدد بخس الناس أشياءهم، فما داموا هم «الأقوى» في الساحة المتمردة على الواقع السياسي اليوم، وهم الأكثر تنظيما على قيادة المعارضة في مطالبها وحشد الجماهير، فبالتأكيد سيتمتعون بصفة «الأجدر» على قيادة المعارضة ما بعد النجاح في تحقيق مطالبها والوصول إلى مبتغياتها. وهنا بيت القصيد ومكمن الحساسية، إذ سيصبح بالضرورة تحول الاستحقاق الشعبي إلى استحقاق «حدسي»، كما هو الحال في مصر التي تفاجأ من ضحى من أبناء الثورة على نظامهم السابق- بكل مكوناتهم ومختلف أطيافهم- أن الجهة التي قطفت الثمار هي صاحبة الآلة المنظمة في ميدان الحرية. وأحسب أن الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» اليوم تعتبر الحركة الوحيدة التي تتمتع بتلك الخصلة إذا ما تمت مقارنتها ببقية فصائل ورموز ومكونات المعارضة السياسية الكويتية الأخرى.
إنها معادلة غاية في الحساسية وتتطلب فهماً خاصاً يستوعب من خلالها الكويتيون قراءة سياسية متدبّرة لما قد تؤول إليه نتائج جهودهم وتحركاتهم، وهو ليس عيباً في ذات النتيجة شبه الحتمية، ولكنه بالتأكيد ليس ما تطمح إليه أجيالنا القادمة أن ترى مستقبلها يحدّد بتلك الزاوية من المشهد السياسي المضطرب.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق