موجة لجان التحقيق البرلمانية، بتعددها وكثرتها، لافتة للنظر منذ بدأ مجلس الأمة الحالي، وهي، كما يبدو، تستخدم بديلا لملء الفراغ السياسي للرقابة الحقيقية والمطلوبة، كما أنها تبدو فرصة للظهور الإعلامي الذي بدأ يتراجع بسبب تضاؤل فرص استخدام الأدوات الرقابية الأخرى، وتحديدا «أداة الاستجواب». وقد صاحبت «هبة» اللجان البرلمانية بعض مظاهر التعسف في استخدام اختصاصات لجان التحقيق وفق ما كشفته المصادر البرلمانية، بل وتجاوز الأمر وبلغ حد ارتكاب مخالفات للدستور ولائحة مجلس الأمة، ويقوم بعض أعضاء المجلس بهذه التصرفات اللامسؤولة، بكل أسف، تعويلا على أنه لا يوجد من يحاسب العضو أو من يمسك بسجل مخالفاته، وتزايد حالة التستر والمداراة من قبل بعض الأعضاء لبعضهم الآخر، وقد تفشى هذا السلوك المعيب لنواب ما يسمون «نواب الأغلبية» أيضا، أو أن العضو يقوم بذلك متمترسا بالحصانة البرلمانية التي لا تمتد الى تلك السلوكيات. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن هذا النقد وكشف تلك السلوكيات هو قول لا يرغب فيه ولا يستمع إليه نواب الأمة ممن يريدون أن يعبثوا بالبلد باسم العضوية، ويخترقوا الدستور باسم النيابة بكل أسف، والبرلمان والدستور من كل ذلك براء.
وإلا لماذا تفسر كثرة التصريحات عن مجريات لجان التحقيق التي هي في طور مهدها وبدايتها، والقفز بتلك التصريحات الى نتائج مسبقة وإدانات متسرعة، فضلا عن تصريحات من شأنها المساس بسرية التحقيق والحفاظ على معلوماته والحرص على سمعة ومكانة من تم استدعاؤهم لهذا التحقيق، واذا صدقت المعلومات بأنه لم يتح للبعض ممن استدعي للجان التحقيق البرلمانية ان يعبر عن رأيه، أو لم يمنح الفرصة لإحضار بياناته ومعلوماته لجلسة تالية، أو أنه قد قوبل ببعض الكلمات او العبارات غير اللائقة، فإن ذلك مسلك يخرج لجان التحقيق عن غاياتها وهدفها، ونخشى ان تكون هناك عملية سلق للتحقيق في هذه اللجان لأغراض سياسية بحتة، ولأهداف دعائية او انتخابية غير جائزة. وجملة تلك كل الأمور هي مخالفات للدستور وللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ونقول للأعضاء على رسلكم فان التسرع يأتي بنتيجة عكسية.
لقد بدأت تظهر علينا صرعة جديدة تتمثل بالإعلان عن إنشاء وتكوين تجمعات سياسية صغيرة بأسماء ولافتات براقة، لكن من دون برنامج أو فكر سياسي محدد، وهي من حيث المبدأ ضمن الحقوق المقررة بالدستور لمن يرغب في تكوين مثل هذه التجمعات السياسية، ولكن أن يكون الهدف فقط إيجاد تجمع لغاية وجود صوت يدخل في عداد التجمعات السياسية من دون أن يكون له وجود حقيقي وكيان يعول عليه، فهو أمر يكشف عن هشاشة مثل هذه التجمعات وغاياتها غير المقبولة، وهي تذكرنا في هذه المناسبة بموجة من التجمعات والكتل السياسية التي ظهرت في بعض الدول العربية، وبلغت بالعشرات، كما هو الحال في الكيانات والتجمعات السياسية الهشة التي ظهرت في كل من العراق ومصر، إلا أنه لم يكن لها وجود سياسي في الواقع، وهو ما أدى الى اقتصار التواجد السياسي على التجمعات الكبيرة فقط، ولذا لا نرغب في أن يكون واقع الكويت لافتات سياسية من دون كيان سياسي معتبر.
***
• سؤال شعبي للنواب:
في المقال المقبل سأقوم بتوجيه اسئلة شعبية لأعضاء البرلمان على أعمالهم وتصرفاتهم التي فيها خرق للدستور أو للوائح، أو ممارسات ليست مقبولة حتى تكون تحت نظر الناس ورقابتهم.
اللهم إني بلغت،
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
Dr.almoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق