مقال امس، لسبب ما، مثّل صدمة لبعض القراء. الذين على نياتهم اعتبروه مفاجأة لانني حددت موقفي فيه من الصوت الواحد. أو من مرسوم خصم الاصوات. بينما جماعة المقاطعة – الله يزيد النعمة – اعتبروه كشفا للقناع و«تصليع» في تأييد الحكومة.
الحقيقة انني أعلنت تأييدي لمرسوم خصم الاصوات قبل ان يصدر، وكتبت اكثر من مقال لشرح اسباب التأييد. ولكن لا اعلم لماذا غابت هذه المعلومة البسيطة والواضحة عن عين أو ذهن البعض. اكثر من هذا، انا لي موقف معلن منذ سنوات، ربما عشرات المرات من مجلس الأمة، ومن العملية الانتخابية بوصفها واقعة تحت اسر التحالف السلطوي. لهذا دعيت اكثر من مرة الى تعليق المادة 107 من الدستور، يعني بالعربي حل مجلس الأمة حلا غير دستوري. السبب في ذلك يرجع الى قناعتي بان العبث المتواصل للسلطة منذ تزوير انتخابات 1967 وحتى مرض الشيخ سعد، الله يرحمه، الذي منعه من ممارسة سلطاته ادى الى ان تصبح العملية الانتخابية اسيرة المجاميع القبلية الدينية، وبالتالي فان مخرجات هذه العملية، اي مجلس الأمة، سيكون دائما وابدا تحت هيمنة المجاميع المعادية للنظام الديموقراطي. وليس هناك فرق على الاطلاق بين الاغلبية الموالية للسلطة أو الاغلبية المعارضة لها، فالاثنتان في عداء واضح ومفضوح للدستور وللمبادئ الديموقراطية.
وكانت لدي قناعة ايضا بان هذا الواقع من الصعب تصحيحه طبيعيا أو «شرعيا». فالعبث في البلد وفي نظام الانتخابات افرز مجاميع وقوى واصحاب نفوذ من الطبيعي ان يتمسكوا بمخرجات هذا العبث ونتائجه. لهذا ليس في الامكان على الاطلاق تصحيح هذا العبث بالشكل الطبيعي لان الجماعة – بسلامتهم- يسيطرون على مجلس الأمة، واي تشريع لتقليص سلطاتهم أو بالاحرى لاعادة الامور الى نصابها سيجابه بالرفض. لهذا نجد ان المجاميع التي رفضت الديموقراطية والدستور في الستينات والسبعينات، ورفضت المشاركة في الانتخابات بحجة ان الحكم لله وليس للأمة مصدر السلطات. هذه المجاميع نحت في المدة الاخيرة نحو الدفاع عن الدستور والتمسك بالنظام الديموقراطي لا لشيء الا لانها كيفته ومخرجاته لموروثها وتقاليدها، ولم تتكيف هي لتقبله والاندماج فيه. وربما اوضح مثال ودليل على هذا القسم النيابي لمجاميع التخلف. لهذا أصبحت قناعتي – منذ زمن- بان الخروج من هذا النفق المظلم هو عبر اجراءات استثنائية، تماما كالاجراءات الاستثنائية التي اوصلتنا الى ما نحن عليه. وهكذا كتبت مقال «اللي شبكنا يخلصنا».. ولم يفهم احد المغزى من هذه العبارة على حد علمي غير قناة «سكوب» التي أخذت بترديدها عبر صوت وصورة عبدالحليم حافظ. والقصد هنا ان الذي اوصلنا الى هذه الحال اي «السلطة» هي القادرة وحدها عبر اجراءات استثنائية على تصحيح الاوضاع. اما الاجراءات الطبيعية عبر مخرجات العملية الانتخابية التي تم العبث فيها طوال هذه السنوات، اي مجلس الأمة، فانها غير قابلة للتحقيق بسبب هيمنة مجاميع التخلف على المجلس. والهيمنة هنا لا تمثلها جماعة المقاطعة، بل الى حد ما معظم مخرجات المجلس.. اي كل النواب. والرجاء الملاحظة انني قبل اربع سنوات اعتبرت ان انتخابات مجلس الأمة زورت مرتين، تزويرا مباشرا عام 1967 وعبر التعديل المنفرد للسلطة لقانون الانتخاب عام 1980 الذي غير الدوائر والناخبين وقبل به الجميع، بينما البعض يستنكر اليوم التغيير أو الخصم الجزئي في آلية التصويت.
***
وهاهو مقال «اللي شبكنا يخلصنا» كما نشر في 2008/12/21:
اللي شبكنا يخلصنا
في مقال امس (يعني قبل اربع سنين وليس امس الاحد) وفي ما قبله ايضا من مقالات، خلصنا الى ان التدخل المحموم من قبل الحكم قد ادى الى اختلاق مؤسسات وجماعات ومصالح تتعارض والنظام السياسي للبلد. وان مجمل هذه الظروف والعوامل اصبح، في النهاية، المتحكم والمسيطر على مسارات الحياة في السنوات الاخيرة. بكل جد وجهد، بقوة القانون أو بقوة النفوذ، شرعيا أو انقلابا على الشرعية، كما حدث في انتخابات 1967 و1980 فان الحكم أو بعض اطراف الاسرة الحاكمة، نجح في تجيير النظام لمصلحة فئة وتسليم مقاليد الامور لمن يتعارض والنظام الديموقراطي ويتناقض وقواعد الحكم الدستوري.
اليوم المطلوب «العودة» الى ما قبل التجيير المذكور. أو ان المطلوب العمل بالنظام الاساسي للبلد بدلا من النظام الذي تم فرضه عبر انتهاك الدستور والتزوير المباشر أو غير المباشر لارادة الأمة. الكل يتنادى للعودة الى مرحلة الستينات والسبعينات، من دون ان يعي الاسباب والدوافع الحقيقية وراء ذلك. فهذه المطالبة بالعودة الى تلك الفترة ليست عائدة لكونها فترات ازدهار وارتقاء، لكن بالاساس لكونها الاساس والانطلاق الحقيقي للنظام والمجتمع العصري الذي تعاهد عليه الكويتيون.
هذه العودة تتطلب «تدخل» الحكم، تماما مثل ما تطلب خلقها أو تفعيلها، فان العودة عنها تتطلب، مع الأسف، توفير الظروف نفسها واستخدام الادوات ذاتها. ان القوى والمؤسسات والمصالح التي تم خلقها، أو بالاحرى اختلاقها خلال السنوات الماضية لن تستسلم بسهولة، ولن تفرط في «مكتسباتها» أو فيما استولت عليه. هذه القوى لديها اليوم النفوذ السياسي الاقوى، بل الازمة انها المسيطر الحقيقي على مجلس الأمة، وهنا العقدة الاساسية وسبب ازماتنا المستمرة. فان الاصلاح المنشود أو العودة الى دستور 1962 وتفعيل المواد الدستورية وتطبيق المبادئ الديموقراطية تتعارض مع مصالح ومنهج هذه الجماعات والمؤسسات والقوى السياسية التي اختُلقت خلال الفترة الماضية. وهذا هو اساس الازمة الدائمة بين الحكومة ومجلس الأمة.
باختصار، لقد استخدمت الاطراف المناوئة للتطور والتقدم السياسي وسائل غير ديموقراطية أو دستورية لجرنا الى الوضع المأساوي الذي نعيش فيه اليوم. اليوم المطلوب ركوب «الباص» نفسه مع السائق نفسه والعودة على الطريق ذاته.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق