مر مشهد مسيرة «الكرامة» الثانية على أهل الكويت ليثبت قطعا أن هناك خللاً معيباً في سلوك المعارضة السياسية، واضطراباً واضحاً في مسارها التصعيدي ميدانياً، حيث ناورت في أخذ ترخيص لمسيرتها بصورة يغلب عليها البعد الدعائي الفاضح، ثم في تكتيك غير مبرّر غيرّت قيادة المعارضة موقع المسيرة في اللحظات الأخيرة تداركاً لفشلها، واقتصرت على حركة احتجاج رمزية محدودة المدّة والعدد، واكتفت بإيصال رسالة غضب تقليدية ومكررة. هذا المشهد رافقته مجموعة من المستحدثات أهمها نزول احترازي لبعض وحدات الجيش الكويتي إلى مدينة الكويت، في خطوة فسرها البعض بأنها مقدمة لإعلان قانون الطوارئ أو ما يسمى بالأحكام العرفية، وجرت عدّة لقاءات لبعض رموز المعارضة مع سمو الأمير هدفها ثني سموه عن مراسيم الضرورة، إضافة إلى دخول بعض الشخصيات الدينية على خط الوساطة من أجل التهدئة.
كل ذلك يدل على أن الأمور لم تعد تسير في صالح المعارضة، وخاصة أن الانطباع العام اليوم على الصعيدين المحلي والخارجي هو أن النظام ملتزم بالدستور وقوانين الدولة التزاما كبيراً من خلال المراسيم وحفظ الأمن واحترام النظام العام، بينما الانطباع اليوم أن المعارضة هي الفئة المتمردة على القوانين، وهي المستبدلة للأدوات الدستورية بألعاب تكتيكية لا تنسجم وطبيعة أهل الكويت وذوقهم في الاختلاف، يرافق ذلك تزايد عدد المرشحين من كافة فئات المجتمع للانتخابات النيابية القادمة وتدرج شعبي لافت في التفاعل معها.
لذا أحسب أن سير المعارضة لم يعد واضحاً، بل يمكن القول إنها تتجه نحو المجهول الذي قد يؤدي ببعض المتهورين من رموز المعارضة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية غير ممنهجة، ويغلب عليها طابع «أنا الغريق فما خوفي من البلل». هذا الاتجاه الذي يمكن قياس بعض بوادره من خلال التخبط الواضح في خطاب هؤلاء حين إجراء لقاءات تلفزيونية مع محطات وقنوات فضائية، لم يكن آخرها تحريض محمد هايف المطيري المحكمة الدستورية على تسييس أحكامها، واتهامات مسلم البراك بوجود آلاف من القوات الخاصة الأردنية بين صفوف قوات وزارة الداخلية في الكويت! وتلك ترهات تدل على حجم الغرق في وحل الأفكار المشتتة التي لا يمكن إلا أن تزيد الغريق غرقاً.
من هنا نوجه كلمة لمن يريد الإصلاح، نقول فيها أنتم كمن عرف الحق ولكن أخطأ الطريق، وما أعمالكم اليوم إلا نتيجة لفقدان بوصلة الصواب ومنهج الحكمة التي لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة مفيدة لمجتمعنا الكويتي الذي بدأ يضجر من سلوكيات الأقلية المتهورة في المعارضة، لذا فكل الأمل في أن يعلو صوت العقلاء من جميع الأطراف باتجاه المصلحة الاستراتيجية العليا في البلاد، والمتمثلة بتمكين المواطنين من العيش الكريم والآمن. ولن يتأتى ذلك من خلال التمرد على قوانين الدولة والنزول العشوائي إلى الشارع بمنطق «عليّ وعلى أعدائي»، بل علينا جميعا
اليوم وضع خلافاتنا جانباً والالتفاف حول الشرعية الدستورية التي بإمكانها أن توحد صف أهل الكويت تحت سقف الدستور ومفهوم المواطنة أساساً للتعايش، ولا مجال لكسب الحقوق إلا عبر القنوات الدستورية السليمة ومواقع الاحتكام وفض النزاع. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق