أزمات سياسية عديدة مرت على الكويت نوجزها باختصار بداية بتلك التي جاءت مباشرة بعد وفاة الشيخ سالم المبارك عندما أبدى الشعب رفضه لأسلوب الحكم ودعوته لإنشاء مجلس شورى لإدارة أمور الدولة، وما لبث لهذا المجلس أن مات بعد أن ولد بفترة بسيطة. تلى ذلك محاولات عديدة لتثبيت مبدأ الحكم المشترك كان أهمها تأسيس مجلس تشريعي تكون له صلاحيات تشريعية واسعة في محاولة كانت أكثر جدية من سابقتها، إلا أن عمر ذلك المجلس لم يتجاوز ستة أشهر بحجة تهديد المصالح البريطانية انذاك وكان ذلك في عام 1938.
في عام 1951 ونظرا لبروز عدد من القوى السياسية وإنشاء عدد من الجماعات والجهات شبه المنظمة والتي غلب عليها الطابع القومي بحكم ما صاحب تلك الحقبة، بدأ الحاكم يعي أهمية المشاركة الشعبية،وكان نتاج ذلك الدعوة إلى إنشاء مجالس حكومية منتخبة كالمعارف والبلدية وغيرهما، إلا أن كل هذه المساعي في ترسيخ النظام الديموقراطي قد واجهها الفشل لأسباب متعددة.
استمر الوضع على ماهو عليه من شد وجذب حتى عام 1959 عندما وصلت الأمور منحنى خطيرا بعد اجتماع ثانوية الشويخ ليحدث التصادم المباشر بين الشعب وقوات الأمن. تلت تلك المرحلة، تشكيل المجلس التأسيسي وإصدار دستور دولة الكويت الذي شكل ورسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس مبدأ الحكم المشترك، وانتصر بعدها الشيخ عبدالله السالم لمجلس الامة من خلال رفضه حل المجلس عام 1963 بعد خلاف حاد نشب بين أعضاء المجلس وبعض الوزراء لتمر هذه المرحلة بسلام، بعد أن كان رحمه الله صمام أمان في حفظ العلاقة المتوازنة بين السلطتين.
وبعد وفاة الشيخ عبدالله السالم، شهدت انتخابات عام 1967 تدخلا واضحا من السلطة من خلال تلاعبها المباشر بنتائج الانتخابات لإبعاد رموز المعارضة، وكان لها ما أرادت لتمر البلاد في أزمة حقيقية كانا طرفاها السلطة والمعارضة. وبعد ذلك وفي عام 1976، قامت الحكومة بحل مجلس الأمة حلا غير دستوري، صاحب ذلك تعليق مواد الدستور وتغيير قانون المطبوعات، وحل على اثر ذلك عدد من جمعيات النفع العام النشطة حينها حتى عادت الأمور إلى مجاريها حال العودة إلى انتخابات 1981. أخيرا كانت أزمة مجلس 1986 عندما قامت الحكومة بحل مجلس الأمة حلا آخر غير دستوري لتنشط بعدها دواوين الإثنين، وما تلى ذلك من إشهار للمجلس الوطني المسلوب الصلاحية لتعود بعدها الحكومة لصوابها بعد الغزو العراقي لإيمانها بأن لا خيار أمامها سوى المشاركة الشعبية التي أثبتت أنها صمام الأمان في حفظ الكويت وفي تدعيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
الشاهد، أن تلك الحوادث التاريخية قد مرت بسلام بسبب حنكة أصحاب القرار من جهة وبسبب تلك الرغبة الشعبية والوعي الوطني المتأصل بأغلب قياديي الجماعات والتوجهات السياسية، لكن أزمتنا اليوم مختلفة بكل المقاييس، فمن الصعب جدا أن نقارنها بتلك السوابق التي سردت في بداية المقال.
إن السبب في ذلك لا يعود كون هذه الأزمة ليست أزمة سياسية عقيمة فحسب، بل هي في الواقع كذلك أزمة قيم وأخلاق، فاليوم انتشر الشتم والسب والقذف والفجور في الخصومة والإسفاف في لغة الخطاب ووصل بالبعض إلى درجة التطاول على الأعراض والكرامات وهو ما لم نعهده من قبل، وكل ذلك يتم بعيدا عن النقاش الموضوعي السليم حتى باتت كل محاولة للتحاور بلا نتيجة.
قد نصل إلى حل وسط لهذه الأزمة السياسية من خلال تنازل طرف أو تراجع طرف آخر أو من خلال التقاء الأطراف على صيغة تفاهم مشتركة والشواهد التاريخية خير دليل على ذلك، ولكن متى سنعي أن تلك العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي التي توارثناها جيلا بعد جيل قد أصابها الوهن وأن علاجها لا يمكن أن يكون بين ليلة وضحاها؟ أكاد أجزم بأن ما ترسب بالعقول وما دفن بالقلوب عند البعض من تقسيم طائفي وقبلي وعقائدي بغيض أكبر من أن تردعه قوة قانون متعلق بنبذ الكراهية وبتعزيز الوحدة الوطنية! أزمتنا ليست سياسية فقط يا سادة، بل هي أزمة قيم وأخلاق واحترام الآخرين وهي أخطر بكثير من وضعنا السياسي الشائك.
Email: boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق