لم أر بلادي الكويت انقسمت على حالها بهذه الحدة «انقساما مجتمعيا»، وسأستسمح القارئ والدكتور العزيز محمد الرميحي على استعارة تشبيه هذا الانقسام بأنه «أفقي وعمودي».
انقسام داخل الأسرة الواحدة، داخل الطائفة، داخل القبيلة، داخل المكونات الاجتماعية، بين الأجيال، ولا بد من فهم متعمق لهذه الوضعية، فإن القضية المنقسم عليها ليست بالتأكيد هي التعديل الجزئي لقانون الانتخابات، وما يسمى «الصوت الواحد»، بدلا من «الأربعة» انما هو عنوان لهذا الانقسام، ونجح السياسيون بإيهام العموم بأن هنالك فريقين فقط. الفريق الأول معارض وكل من لا ينتمي لهذا الفريق تستخدم عليه لغة عنيفة، وتستخدم مصطلحات اقصائية، وخطابا سقفه عال بدون حسابات، وأوصلنا لمرحلة الاصطدام.
وفريق آخر «الموالي»، ولغته استفزازية ونعرات مجتمعية ولعب على المتناقضات والوقت.
ويبقى هنالك فريق ثالث وفرق اخرى يتم التعبير عنها في خانة الصمت والتزمت به، فليس مطلوبا الكثير لمعرفة رئيسها.
فهي بجانب القانون والدستور والشرعية ضد الخطاب المشحون وضد الفئوية، وهي ليست راضية عن استشراء الفساد، ولديها تحفظات على الخطاب الاول، وعلى التجاوزات «الحكومية»، وسوء الادارة والفشل في ملفات الخدمات والاقتصاد وغيرها.
الانقسام «الحاد» بلغ ذروته ومداه، وأصبحت لغة التحدي والمواجهة والتعنيف. وبدأ بعضهم يوحي بتصدير الثورة الى الاقليم، كل هذا مع ادوات جديدة مثل التويتر بجانب الاعلام المرئي والمسموع، جعل من السهل تلمس الخوف والقلق على المستقبل والأمن، وجعل من التنفيس سقفاً جديداً.
فما المطلوب؟ المطلوب خطاب متعقل يلعب دوراً في تهدئة الامور «ورموز» تضع القاطرة على السكة تشيع ثقافة الاحترام المتبادل، فكثير منا لن يشارك في الانتخابات المقبلة ولكن؟ يجب ان يحترم حق الآخرين، لم اتمن في حياتي كلها التصادم، ولكن اذا كان فلنخفف من التشاحن، ولتستخدم الادوات الدستورية، وليتحمل كل طرف مسؤوليته القانونية، فكل طرف لديه اخطاء، ولتتحمل الدولة مسؤوليتها بإعادة فرض الأمن السياسي والاجتماعي، ولكن ليس من خلال العنف والتقريع، ولتكن مصالحة مع النفس والكل والجميع، ولتبدأ عملية التنظيف والاصلاح من الأعلى إلى أسفل الهرم.
يجب فهم مكونات الغضب الحالية وحالة الانقسام المجتمعي، مازالت الفرصة متاحة، التفتوا إلينا جميعا، وإلى الفريق والفرق الأخرى، فليس أصحاب الصوت العالي لديهم قضية، فالصامتون، وهم كثر، تحملوا كثيرا، وصمتهم أبلغ رسالة.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق