مرة ثانية بودِّنا أن نسمع تبريرات معقولة ومقبولة من القوى الوطنية الديموقراطية التي أخذت على عاتقها دعم مجاميع التخلف والترويج لطروحاتهم السمجة. بودِّنا أن يشرح لنا البعض بدقة وتحديد مكامن العبث الحاصل والمتوقع وطرائقه ونتائجه في التعديل الذي حدث على قانون الانتخاب. ونريد بالملموس والمحسوس أن نعرف كيف سيصبّ هذا العبث في صالح «السلطة» وأعوانها، في الوقت الذي سيحرم منه من يدّعون التقدمية والوطنية والديموقراطية، وطبعا نطارة المال العام!.. اشرحوا لنا كيف؟.. أو مثلما هي منتشرة هذه الأيام على الإنترنت، كيف يكون العبث لصالح مرشحي السلطة وحدهم؟!.. هل هذا العبث جني أو اختراع تكنولوجي لحكومتنا، فاقت به الآخرين، أم هو كذبة وادعاء من ادعاءات جماعة المقاطعة وأكاذيبها المركبة؟!
دستورياً، أمر تقرير الضرورة حق خالص للسلطة التنفيذية وللأمير بموجب المادة 71 نفسها «جاز للأمير…»، ولا يمكن تقدير هذه الضرورة بعد ذلك، أي بعد الإصدار، لأن الظروف قد تتغير، وقد تنعدم، وقد يكون أمر تقديرها بسبب خطورتها مبالغ فيه، أو أن الحرص على سلامة الناس والوطن فرَض أمر إصدارها في ذلك الوقت.
مع هذا أشرنا وما زلنا، نؤكد أن الأسلم سياسيا أن تصدر قوانين الانتخاب من قبل البرلمان، وأن إصدارها ثم الانتخاب بناء عليها هو تحصيل حاصل، لأن من سيقرها أو يرفضها هو من خرج من رحمها، لهذا سيكون ليس صعبا بل مستحيلا عليه رفضها. وسبق أن أدنّا تعديل 1981 بناء على هذا الأساس.
لكن.. نحن، كما بيَّن حضرة صاحب السمو، نمر بالفعل في وضع حرج، وان «البلد ضاعت» حسب التعبير الذي فضّل سموه استخدامه. وأن يعلن شخص مسؤول مثل أمير البلاد أن «البلد ضاعت»، وهي تحت إمرته وعهدته، فإن الأمر لا شك خطير، ويتطلب بالفعل تدخلا حازما يعيد الأمور إلى نصابها.
ولكن التعديل الذي حدث لم يمسّ تحديد الدوائر، ولم يتعرض لعدد المرشحين أو الأعضاء الذين يجب انتخابهم في كل دائرة، بل هو لم يمسّ أعداد الناخبين، وبالمناسبة ذاتها، والناخبين أنفسهم الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات السابقة، هم ذاتهم بلحمهم وشحمهم ومن دون أي زيادة أو نقصان، اللهم إلا من توفاه الله سينتخبون ويعيدون انتخاب مرشحيهم كما فعلوا قبل شهور. وكما في القانون.. صوت واحد لكل ناخب، للحكومي صوت واحد، وللمقاطع والمعارض أيضا صوت واحد.. فأين العبث؟ وكيف ستجيّر الانتخابات لصالح الحكومة، والناخبون هم.. هم. حتى جداول الناخبين تم تسكيرها من بعد الانتخابات الماضية.. فكيف ستستفيد «السلطة» مما لن يستفيد منه بقية خلق الله! اشرحوا لنا «هاذي» ونحن معاكم.
ولكن أيضا.. الحكومة أتت بقانون انتخاب جديد لتحديد الدوائر عام 1980، غيّرت الدوائر من عشر إلى خمس وعشرين، وغيّرت من توزيع الناخبين، أعدادا وهوية في كل الدوائر، ومع هذا كان التغيير شيئا عاديا تقبّله الجميع مع الأسف. أوضح من هذا – والحديث للدكتور أحمد الخطيب وعبدالله النيباري – عام 1970 قاطعت غرفة التجارة، وقاطع التجمّع الوطني -جاسم القطامي وجماعته – وقاطعنا – الزميل أحمد الديين وأنا- قاطعنا الانتخابات، لأن الحكومة لعبت في الجداول، وغيّرت تماما من القدرة والطبيعة التصويتية للناخبين، لم تعدّل الدوائر أو تغيّر القانون، بل سمحت لأتباعها بنقل أصوات مؤيديهم بالجملة وبالآلاف كما حدث مع قبيلة «العتبان»، الذين سجلوهم جميعا في خيطان. فأصبحت الدائرة الخامسة، على سبيل المثال، التي نجحت يعقوب الحميضي وجاسم القطامي وراشد التوحيد، زينة المجلس التأسيسي وما بعده، أصبحت تنجح أربعة «عتبان» وخالد المسعود! بينما سكر «العجمان» الدائرة العاشرة على خمسة لهم، ولم ينجح أي عازمي أو أحد من الدبابيس كما كان قبل العبث. هذا كان العبث الحقيقي في الانتخابات، الذي استلزم المقاطعة. لكن الدكتور أحمد الخطيب وعبدالله النيباري شاركا في الانتخابات، وبالمناسبة لم يخوّنهما أو يطعن في ذمة من ترشح أحد، وشارك معهما بعض الوطنيين الديموقراطيين. ونجحت مجموعة محترمة منهم، شكّلت معارضة راقية في ذاك المجلس.
هذه كانت مقارنة بين انتخابات 1970 وبين الانتخابات الحالية، والموقف منها. العبث كان واضحا وجليا في انتخابات 1970. والنقل كان شغالا لصالح جماعة «السلطة»، بينما القوى الوطنية والمرشحون المستقلون محرومون منه، لكن حدث أمران يستحقان التمعّن، نوردهما تذكيرا للبعض ودعوة للتأمل: شاركت جماعة «الطليعة» ــــ من الذين يعارضون الانتخابات الحالية ــــ في تلك الانتخابات، وفاز منهم أربعة مرشحين، وأفرزت الانتخابات معارضة راقية كان لها شرف تأميم النفط.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق