ينتابني القلق من أن حدة الانقسام السياسي حول صحة العملية الانتخابية التي ستجري أول ديسمبر سوف تستمر لمدة طويلة، إلى عمر هذا المجلس الذي قد يستمر لأربع سنوات. ولاحظنا أنه حتى بين مؤيدي المشاركة في الترشيح والتصويت هناك غياب للحماس. فكثير منهم ستقتصر مشاركتهم على إيداع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. فالتوجه إلى مركز التصويت وإيداع ورقة بيضاء لا يعتبر حلا وسطا، لكن يعكس هذا القلق على مستقبل العمل السياسي خلال السنوات القليلة المقبلة. ولا شك في أن ما يشجع على إيداع الورقة البيضاء هو ذلك الزخم من المرشحين الغرباء عن العمل السياسي. لذلك كان أن عزف عن الترشيح شخصيات مؤيدة للمشاركة في العملية الانتخابية مثل النائب السابق عبدالله الرومي الذي اجتمع في ديوانه الأربعاء الماضي 2012/11/7، مع مؤيديه لحثهم على المشاركة، لكنه هو نفسه امتنع عن الترشح. وهناك كثير مثله من المؤيدين للمشاركة لكنهم يرون أن مشاركتهم أو فوزهم سيكون ناقصا، لأنه سيكون من دون تنافس. فامتنعوا، لأن خوض الانتخابات سيكون كالمشاركة في مسابقة مضمون الفوز بها. إضافة إلى ذلك فهناك شك في أن يطعن في قانونية المجلس المقبل من خلال رفع قضية أو قضايا إلى المحكمة الدستورية، وقد رفعت مؤخرا قضية واحدة على الأقل.
هؤلاء الذين ينتابهم القلق من حدة الانقسام السياسي حول صحة العملية الانتخابية المقبلة، هم أنفسهم يدركون مساوئ الأصوات الأربعة التي عززت التحالفات القبلية والطائفية، وأوصلت غالبية بالغت في طروحاتها، وهيمنت بحق وغير حق على مسار العملية التشريعية من خلال المجلس. وأحيانا كان بعض أعضاء هذه الغالبية يخالف مبادئه من أجل الحفاظ على توافق قرار الأغلبية. وها نحن الآن نتوقع مجلسا نقيضا قد يبالغ في ولاءاته للحكومة لدرجة تثير الغثيان. فالشعارات التي يرفعها بعض المرشحين لمجلسنا المقبل تبوح برفض لجوهر المبادئ الديموقراطية.
ينتابني القلق كذلك ليس من حدة الانقسام السياسي فقط، والذي سوف نشهده لسنوات، وإنما لكوننا شعبا صغيرا تنخر فيه الولاءات القبلية والطائفية والفئوية الأخرى. ولكوننا نقرأ عشر صحف يوميا، لكن فهمنا للديموقراطية لا يتلمس معانيها الحقيقية، ولا يحملنا مسؤوليات تتعدى المشاركة في الانتخابات. ربما نحتاج إلى تطوير فكر سياسي جديد لشرح ميولنا وتوجهاتنا. فنحن نمثل حالة جديدة على التاريخ من ناحية أننا نتوقع الحق بالعمل من دون محاسبة على الأداء. وحالتنا تسمح لأن نتجنب أي نوع من الأعمال الصعبة التي سخر الله لنا الآخرين للقيام بها. فهذه الحالة «المميزة» لا بد أن تؤثر في قيمنا وميولنا وأحكامنا وإدراكنا لمعاني مثل الحرية والديموقراطية.
فخلافنا على المشاركة في هذه الانتخابات بدأ يأخذ في الأيام الأخيرة منحى جديدا، ليس بسبب عزوف قوى سياسية رئيسية عن المشاركة فقط، وإنما كذلك بسبب انحسار الترشيح إلى حد كبير على شخصيات تفتقد القاعدة الشعبية، ودخولها كان طارئا على العمل السياسي. لذا فإنه حتى بافتراض دستورية المرسوم الأميري وضرورته، فإن وهجه ربما أخذ يتلاشى بسبب المقاطعة. هذا مع اعتقاد كاتب هذه السطور بأن الصوت الواحد والإجماع عليه كان يمكن أن يؤدي إلى نقلة نوعية في مكونات مجلس الأمة.
لذا، فإن في هذا الجو السياسي الحانق، الذي ينبئ بأزمة سياسية وتأجيل أو تسويف قرارات تخص التنمية الاقتصادية والتعليم، نرى أن المشاركة في التصويت عبر الورقة البيضاء ستكون الأجدى والأكثر تعبيرا عن الرفض لهذا العبث السياسي.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق