تميل المعركة الدائرة ومنذ أشهر بين المعارضة السياسية والحكومة أكثر لصالح الحكومة على حساب الطرف الآخر. فالمعارضة خسرت الشيء الكثير وحققت الحكومة في مرماها أهدافاً متتابعة. والأيام الاخيرة بدت المعارضة تجتهد لتلملم ما فاتها وتحاول استنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل يبدو لي أنها حاليا لا مانع عندها لتسكب ماء وجهها وتتراجع على أمل اللحاق بالركب.
دعوني أقر للمرة الأولى وأقول إن الحكومة أثبتت أنها ذكية وبامتياز. استطاعت خلال الاشهر الماضية، بل ومنذ السنوات الثلاث الاخيرة، أثبتت أنها ذكية وتعرف كيف تسحب البساط من تحت معارضة شرسة كهذه.
ذكاء الحكومة يكمن في أنها استطاعت هزيمة المعارضة على جبهات عدة. ففي المرة الاولى التفّت على التذمر السياسي واحتوت الشعب الذي انقسم لنصفين حيال ما يُعرف بالأزمة البحرينية، نصف معارض للتدخل وآخر مؤيد وباستماتة للتدخل العسكري وضرورة مشاركة درع الجزيرة «لتأديب» الشعب البحريني. الحكومة أثبتت أنها ذكية وبامتياز حينما احتوت الاثنين معاً وضربت أكثر من عصفور. فالتدخل السلمي ومساعداتها الانسانية أكسبها من جانب ود الشارع البحريني والخليجي والعربي، ومن جانب ثان جعلها تظهر بصورة الملتزم بالتعهدات والمواثيق الدولية خصوصا الخليجية واحترام حق الشعوب في التعبير. أما العصفور الأكثر أهمية من كل شيء آخر أنها أعطت درسا مهما للمعارضة السياسية في الداخل. فلم تقل للعالم في رسالتها السلمية للبحرين من خلال قافلة الأطباء انها نصيرة شعوب العالم والخليج فحسب، بل بموقفها ذاك أقفلت الباب على الآخرين عن التعرض لشعبها ومنعت التكهنات بدخول درع الجزيرة لضرب الغالبية والمعارضة، وهو بالتالي ضربة معلم استفادت المعارضة ايجابيا هي بنفسها منه.
الأمر الآخر أن الحكومة أظهرت نفسها أنها الحامي للدستور والديموقراطية مقابل جمهور وتكتل سياسي يريد أن يسلب الشعب الكويتي تاريخه السياسي. فمع أن الغالبية سلبت رأي الاقلية في المجلس في اللجان والتصويتات، وفي الوقت الذي استقوت المعارضة بغالبيتها ومارست العنف والشحن الطائفي والتعصب لأشهر طويلة، استطاعت الحكومة أن تقنع الشارع الكويتي بأنها متمسكة بالدستور وأنها تريد لمؤسسات الدولة أن تمارس دورها الحقيقي وأولها القضاء. فرضوخها لحكم المحكمة الدستورية مرتين، كلها مواقف ومشاهد جعلت منها جندي الدستور المجهول مقابل معارضة تريد سلب الكويتيين أثمن ما لديهم.
أما الضربة القاصمة للظهر فكانت ليلة احياء الدستور قبل أيام. هذه الليلة اوجعت المعارضة كونها هي من أخافت الكويت بالمسيرات ومظاهر الشغب وعمليات الكر والفر والملثمين بين بيوت الكويتيين. ففي المقابل أحيت الحكومة الدستور بحفل شعبي تجمع في ظله الكويتيون سنة وشيعة، بدواً وحضراً، رموزاً وشعباً، متدينين وليبراليين، وجميع الطوائف والملل، جميعهم تجمعوا في ساحة «الوحدة»، ونزل بينهم أميرهم حفظه الله ومشى من غير حرس ليُسعد بلقائه النساء والاطفال والشباب والشيوخ وليقول لهم ان الكويت واحدة تجمعها المحبة لا كراهية غيرها، والاخاء لا عداوة غيرها، والرحمة لا ظلم غيرها، والشفقة لا ظلم غيرها. حفظك الله يا أمير الكويت.
hasabba@hotmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق