
“الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ” (الرعد 22).
أعتقد والله أعلم أن “الفتنة” إذا وقعت في أي مجتمع, فسيصيب شرها من تعلق قلبه بها وسعى إليها, أي أن الضحية الأولى للفتن والعياذ بالله هم اولئك الأشخاص والذين يبدو غرتهم نعم الدنيا فظنوها دائمة فأهلكتهم شهواتهم وأهوائهم المتقلبة, فظنوا أنهم على حق وهم في الحقيقة على باطل. فمن يشعل الفتنة في مجتمعه ربما سيحاول لاحقاً أن يبررها بحجج واهية, ولكن سيصيبه الهلاك قبل الآخرين, فهو تشرف الفتنة و”شرها بحسب التعلق بها” (وفق أحد المصادر). فمن يشعل الفتنة يعرض لها فتأتيه مقبلة بشرورها وبنيرانها وبغضبها المحتدم. وتأثيرها المدمر على من أشعلها, بداية الأمر سيكون أشد وقعاً من الآخرين, فذنوبها ومعاصيها رهينة بسوء نيته من يسعى إليها, والله أعلم. فمن يتكبد عناء إشعال الفتن, وينكر النعم ويحولها إلى نقم, ويجحد الولاءات والعهود والمواثيق الأخلاقية بينه وبين مجتمعه سوف يقع عليه شر البلاء, وسيعاني أقسى الآلام.
شرور الفتن والعياذ بالله لا تعد ولا تحصى. فالفتنة تمزق النسيج الاجتماعي وتنثره أشلاء, وتبعثره أهواءً وحقداً وبغضاً مجنوناً. فلن تنفع عقلانية ولا سعي نحو اعتدال وقت ما تشتعل الفتنة في قلوب بعض الناس. والفتنة ستقضي على العلاقات الاجتماعية الرصينة وتستبدلها بحقد متبادل وبرغبات مجنونة للإنتقام. فوحش الفتنة لا يألِف ولا يُألف ولن يمكن السيطرة عليه لاحقاً, فهو مسعور مريض القلب سينهش أولاً من أطلقه من سجنه المظلم .
الإنسان العاقل والمواطن الحق, بل الإنسان المؤمن هو من سيبتعد بقدر ما يستيطع عن أن يكون المتسبب في إشعال الفتن في مجتمعه. فالفتنة بشكل أو بآخر هي دعوة مجانية يقدمها بعض من لعبت الأهواء المتقلبة بأذهانهم وبقلوبهم لأن تحل الكوارث بينهم. وربما لن يوجد شخص يمكنه التحصن من الفتنة إذا وقعت, لا قدر الله. فالفتنة بركان يشتعل ويقذف الحمم وسيصيب أولاً من اعتلاه وتشرفه وتطلع إلى الفتنة وسعى إليها ! اللهم احمنا من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن. واللهم اجعلنا من الشاكرين لأنعمك وأفضالك. آمين يارب العالمين.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق