حسن كرم: مرسوم الضرورة وضرورة المرسوم

لا نُخون أحداً. ولكن لا نرى أن الظرف الراهن يحتمل العناد والمكابرة أو المخاصمة..
مقاطعة المقاطعين بدأت مزحة فصارت حقيقة..!! كمن يكذب كذبة فيصدقها. فهل هناك مسوغات حقيقية للمقاطعة ومن المنتفع من المقاطعة ومن الخاسر من المقاطعة؟!!.
و.. ألم يكن هناك طريق ثالث غير المقاطعة أو المشاركة؟ فالاستحقاق الانتخابي ترشيحاً وتصويتاً هو حق من حقوق المواطن ويعود إليه الشأن إن أراد شارك وإن أراد أحجم.
مسوغات المقاطعة بذريعة تعديل قانون الدوائر الذي جاء وفقاً لمرسوم الضرورة في تصوري غير مبررة ولا مقنعة، فقبل أن نناقش ما إذا كان مرسوم الدوائر يتطابق مع نص المادة (71) من الدستور أو إن لم يكن هناك مبرر لإصدار المرسوم أو الانفراد بالتعديل، كل ذلك قابل للنقاش ولكن في ظل الحوار العقلاني وفي جو تسوده الحكمة والإصغاء للآخر..
وإذا فشل أو لم ينفع الحوار فهناك الطريق القانوني والدستوري والقضاء. فلماذا لم يسلك المقاطعون طريق القضاء والطعن بمرسوم التعديل بدلاً من التحكيم للشارع فهل أصبح الشارع والساحات بديلة عن القضاء والنظام الدستوري أم أن وراء الأكمة ما وراءها..؟!!
لقد شرح سمو الأمير حفظه الله ورعاه في كلمته السامية التي وجهها في مساء الـ19 من الشهر المنصرم الأسباب التي دفعته إلى تعديل جزئي لقانون الدوائر (4/5) حيث قال: «إلا أن المتابع لآثار ونتائج التطبيق العملي لهذا النظام عبر ثلاثة مجالس نيابية متعاقبة يلحظ جملة من الاختلالات. والأمراض التي شابت جميع تلك المجالس وباتت تشكل خطراً جسيماً على وحدتنا الوطنية وتهدد أمننا الوطني وتخل بثوابتنا وقيمنا فأدت إلى تفشي العصبيات الفئوية والاصطفاف القبلي والطائفي على حساب الولاء للوطن وبروز التحالفات المصلحية البعيدة عن مصلحة الوطن إلى جانب الإقصاء الدائم للعديد من الشرائح الاجتماعية عن التمثيل البرلماني..» فهل هناك من يختلف مع رؤية سمو الأمير حول عيوب النظام الانتخابي قبل تعديله إلا إذا كان له مصلحة على بقاء الفساد الانتخابي واستمرار التمزق الطائفي والفئوي والقبلي في البلاد، وهذا هو الواقع، فالمقاطعون جمعتهم المقاطعة وفرقتهم الأسباب ومثال ذلك بعض القبائل التي قاطعت الانتخابات ترشحاً وتصويتاً لم تقاطع لأن التعديل لا يتطابق مع ظرف الضرورة، ولكنها قاطعت وجاهياً لأن التعديل لا يلبي مطمح القبيلة. فيما قاطع آخرون لعلمهم أن الصوت الواحد لا يحقق لهم الفوز والعودة إلى مقاعدهم في المجلس. وأما مقاطعة جماعة غرفة التجارة فتعود إلى زعلهم على الحكومة على كيكة المناقصات والمشتريات الحكومية من السيارات وتعديلات قانون الرياضة. إلا أن أكبر الخاسرين وأكبر المغفلين في هوجة المقاطعة هم جماعة المنبر الذين دخلوا سباق المقاطعة يراهنون على حصان عجوز متهالك غارقاً في الماضي…!!
التهديد بتخريب الانتخابات والتهديد بإفساد الاجواء الانتخابية والعرس الديموقراطي كل ذلك ممكن ولا ينطوي على مفاجأة، ولكن العاجزون والفاشلون والمتعدون على القانون والخارجون على الذوق العام والضاربون بالأعراف الاجتماعية والفوضويون والغوغائيون هم وحدهم الذين يلجؤون إلى مثل هذا المسلك العدواني.. وأما العقلاء والحضاريون والمتمسكون بالأعراف والقوانين فلا ينخرطون في مسالك الغواية والغوغاء وإنما يتمسكون بالقانون وحكم القضاء.
بالمناسبة هناك بعض السياسيين والناشطين في الحراك السياسي الكويتي كثيرا ما يكررون الحديث عن الماضي، هؤلاء ماضويون عاجزون عن الإدراك أن الزمن غير ذلك الزمن القديم، فلا زال دأبهم الحديث من أحداث 1921 ومجلس 1938 وحل مجلس 1975 ومجلس 1985، والمجلس الوطني، وكأن الزمن لا زال واقفا عند تلك الأحداث، وأن شخوص تلك الأزمان لا زالت حاضرة أو مستنسخة في شخوص الحاضرين فالاتهام بأعداء الديموقراطية واعداء الدستور والانفراد بالحكم كلام فاضي ولا يدور إلا في مخيلة هؤلاء، فبيت الحكم الآن أكثر تمسكاً وإصراراً على الديموقراطية والدستور، فالدستور وثيقة وكما وأن للشعب حقوقا، كذلك للنظام حقوق مثبتة في تلك الوثيقة، فلا حاجة حتى ينقلب النظام على الدستور طالما أن الضمانات الحقوقية للنظام مكفولة وثابتة وثانيا إن النظام ليس معزولاً عن العالم والمتغيرات التي تشهدها المنطقة حتى يسير عكس التيارات، فنظامنا من أكثر الأنظمة الحاكمة في المنطقة برغماتية وملبياً للعصر.
نعود للقول إن النظام الكويتي أكثر تمسكاً وحرصاً وتشبثاً بالدستور، وأما إذا كان هناك أعداء وخصوم للدستور والديموقراطية فليس النظام وحده المتهم، فثمة مواطنون اعداء للديموقراطية وخصوم للدستور أيضا، ودأبهم مقاطعة الانتخابات، فهل هؤلاء براء وبيت الحكم وحده المتهم..؟!!
يا سادة يا عقلاء.. تعديل قانون الانتخاب كان ضرورياً، فتجربة فشل ثلاثة مجالس متعاقبة دليل على فشل القانون، فلا تضعوا العصا في دولاب الانتخاب، ودعوا المسيرة الانتخابية وموكب العرس الانتخابي ينطلق بسلام، أما من يريد المقاطعة فذلك شأنه، ومن يرى أن مرسوم التعديل الانتخابي غير دستوري فعليه اللجوء للقضاء، أليس القضاء هو الفيصل في المنازعات؟!

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.