
قصر النظر ليس مشكلة تعاني منها العيون فقط، بل هو مشكلة تصيب القلب والفكر أيضا. من يقرأ ويستمع للمعارضة حول يوم الاحتفال بالدستور في 11/11 يكتشف قناعتين بارزتين في هذه المعارضة: من جانب يكتشف أنها تحمل ضحالة فكرية غريبة، ومن جانب ثان يستنتج أنها معارضة تحمل عقدة النقص وكراهية للآخر.
بعد الانتهاء من الاحتفالات بيوم الدستور والالعاب النارية، خرجت مباشرة تصريحات القوم بأن مناقصة الجراغيات بأربعة ملايين ما هي إلا سرقة، ولم تكن سوى صفقة لتصب في جيب أهل المصالح، وأنها مناقصة لا تختلف عن شراء المطاعات لضرب الكويتيين، وأن الجراغيات ما هي إلا احتفالات صورية لا تضفي شيئا على الواقع!
طبيعي يصعب على فريق كهذا أن يفهم الدلالات ويفك الرموز ويستوعب المغزى. يصعب على فريق يكسّر ويخرّب أن يعرف ماذا يعني التعمير، يصعب على فريق تعود على الهدم أن يعرف معنى التشييد والبناء، يصعب على فريق تعوّد على التفريق أن يفهم معنى التوحيد والشعب الواحد.
أولئك الذين لم يفهموا من وراء كسر باب مجلس الامة بأكثر من أنه قفل لا يتجاوز سعره ربع دينار من أي محل نجارة في الجليب، وأولئك الذين لم يفهموا من دخولهم في جوف الليل لقاعة عبدالله السالم إلا أنه مجرد قلاص ماي «انكسر» سعره لا يتجاوز مئتي فلس، قوم بهذا المستوى بالتأكيد أعجز عن أن يفهموا المغزى والدلالات والمعاني والرموز كالاحتفالات بالاعياد الوطنية.
يصعب عليهم أن يستوعبوا أن مجلس الامة رمز لدولة الكويت الحديثة، ويصعب أن يفهموا أن قاعة عبدالله السالم رمز وبيت كل كويتي، وأن كسر قفل القاعة هو اعتداء على حرماتنا وخصوصياتنا وأمننا واستقرارنا، والوقوف على طاولة رئيس مجلس الامة دلالة على اذلال واهانة للشعب.
من هنا أقول ان يوم الدستور في عيون أولئك لن يزيد على «جراغيات» وأربعة ملايين لا أكثر! لن يفهموا أنه يوم توحيد الكويتيين، وأنه يوم ازالة العنصرية البغيضة من القلوب، وأنه يوم يبث في الشعب حياة جديدة أساسها حرية الرأي وحق العيش بكرامة وتقرير المصير، لم يفهموا أن نور الجراغيات هو الضوء الذي استنار به هذا الشعب في ظلام حالك كان يحيط بمن حولنا منذ نصف قرن، وأن أصوات موسيقى تلك الليلة هو لحن كتبته وخطته أنامل الآباء الاوائل في دستور أعزنا الله به حتى نعيش في ظله متماسكين في منطقة تعج بأمواج القتل والدمار والكراهية وتنتشر فيها رائحة البارود وأشلاء الاطفال وأوصال النسوة! يصعب فهم كل ذلك لأناس دينهم وديدنهم التعصب والعنصرية!
hasabba@hotmail.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق