
إن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حاليا سببها «التسرّع في اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات»، الذي جاء نتيجة انفعال لحظي ممن تغلّبت عندهم الحماسة والعاطفة على لغة العقل.
وإن «النخبة» التي قاطعت الانتخابات وجدت نفسها مضطرة إلى ذلك، بعد أن تعالت بعض الأصوات باتخاذ قرار المقاطعة، فسايرتها «النخبة»، التي خشيت «العزلة الشعبية»، في حال عدم مقاطعتها الانتخابات.
وإن مرسوم الضرورة الصادر «بالصوت الواحد»، هو تشريع صادر عمن يملكه دستوريا، وان توافر أو عدم توافر حالة الضرورة في إصداره – رغم كل الاجتهادات التي قيلت – هو اختصاص أصيل للمحكمة الدستورية، التي إن شاءت أقرته، وإن شاءت حكمت بعدم دستوريته، وإن مقاطعة الانتخابات، علاوة على أنها تمثل «وسيلة ضغط شعبي سلبي» على السلطة، فإنها «سلوك صريح» بسلب المحكمة الدستورية اختصاصاتها، وإعجاز لها عن مراقبة دستورية تشريع الضرورة.
ولسوف يجد المجلس المقبل نفسه في «متاهة» فرضتها عليه ظروف انتخاب أعضائه، فمن ناحية لن يخلو المشهد من استقطاب حكومي لأغلبية أعضائه، بالتوازي مع «ضغط شعبي» لإسقاطه بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، علاوة على أن «عدم المواءمة السياسية» بين الناجين من سعير خوض الانتخابات، الذين سيمثلون المجلس المقبل، سيخلق حالة من تردي الحوار السياسي داخل قاعة عبدالله السالم، وهو ما قد ينتج عنه التأخر في إقرار مشروعات القوانين، وأكثر ما نخشاه في تشكيلة أعضاء مجلس الأمة المقبل أن أغلب أعضائه سيحتاجون إلى فترة إعداد لن تقلّ عن عدة أشهر، بل قد تصل إلى سنوات للتكيف مع العمل النيابي، ومعرفة الفارق بين «النظام النيابي» و«النظام البرلماني»!
ونحذّر الحكومة من عدم الاهتمام بـ«جماعة المقاطعة»، كما نلوم على الحكومة اعتبارها أن «مرسوم الصوت الواحد» أصبح أمراً واقعاً يجب الالتزام به، فمثل هذا السلوك من جانب الحكومة قد يدفع «جماعة المقاطعة» إلى العنف، كما نناشد جماعة المقاطعة عدم اللجوء الى أسلوب العنف، لأن العنف لا يولّد إلا العنف، كما نذكرها بأن «كلمة واحدة للحكماء.. تكفي».
دعيج خليفة طلال الجري
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق