ابراهيم العوضي: بعيداً عن الحلول المادية

يبدو أن خبر زيادة القرض الإسكاني ليصل إلى 100 ألف دينار وزيادة بدل الإيجار قد فتح من جديد مشكلة الملف الإسكاني الذي أصبح هاجسا حقيقيا يؤرق فئة الشباب مع التوقعات التي تشير بأن حجم الطلبات الإسكانية سيزداد خلال العشرين سنة المقبلة إلى أكثر من مئة وخمسين ألف طلب. ولعل هذه المعالجة قد تشكل فرحة آنية للمواطنين المعنيين ولكنها واقعيا ستشكل في الزمن المنظور مشكلة حقيقية، حيث ان ذلك سيسهم بارتفاع أسعار العقار السكني المتضخم فعلا وزيادة أسعار الإيجارات والتي سبق أن سجلت ارتفاعا قياسيا وبات الشاب الكويتي نتيجة لذلك يعيش الأمرين في توفير المسكن المناسب.
ولعل ارتفاع اسعار السكن الخاص يرجع أولا وأخيرا إلى زيادة حجم الطلب مقابل قلة المعروض مما ساهم في زيادة أسعار العقارات السكنية، وليس زيادة القرض الإسكاني إلا عاملا من العوامل التي ستسهم في زيادة تلك الأسعار مجددا وبالتالي ستزيد من صعوبة حل هذه المشكلة، فمناطق السكن الأكثر طلبا كجنوب السرة والعقيلة وأبوفطيرة وغيرها قد شهدت على سبيل المثال ارتفاعا قياسيا وصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 في المئة خلال عام واحد فقط.
لو أرادت الحكومة فعلا حل هذه المشكلة، فما عليها سوى تحرير مزيد من الأراضي التي تقع تحت سيطرتها، فمن غير المعقول أو المقبول أن تظل الدولة مسيطرة على أكثر من 92 في المئة من الأراضي لأسباب سياسية وسيادية جاءت بعد عمليات التثمين التي تمت عندما قام بعض المتنفذين بالسيطرة على كم شاسع من أراضي الدولة لاستغلالها في تحقيق مردود مالي من عمليات التثمين، إلا أن القيادة السياسية وبفضل حكمتها وحنكتها ذلك الوقت قد تمكنت وبشكل معقول من إحباط تلك المحاولات، إلا ان إستمرار هذا الحال لغاية اليوم ليس له ما يبرره. كما أن هناك مبررات أخرى منها على سبيل المثال أن مساحات ضخمة قد تم تصنيفها على أنها غير قابلة للإستغلال وتقع تحت سيطرة القطاع النفطي إلا أن شركة نفط الكويت قد قامت قبل سنوات قليلة ماضية من تسليم مساحات تصل إلى أكثر من 5000 كيلومتر مربع لإقامة مدن سكانية عليها وفقا لما جاء على لسان أحد مسؤوليها.
وأتساءل هنا، لماذا لا تشرك المؤسسة العامة للرعاية السكنية القطاع الخاص في عملية تطوير المدن الاسكانية طالما كانت هي عاجزة عن القيام بمسؤولياتها لتفعل بذلك قانون إنشائها رقم 27 لسنة 1995 في شأن إسهام القطاع الخاص في تطوير الأراضي الفضاء المملوكة للدولة، وهي بذلك ستكون قد ضربت عصفورين بحجر من خلال توفير المساكن للمواطنين، وساهمت كذلك بتفعيل خطة التنمية والتي تضمنت إنشاء شركات مساهمة متخصصة في تطوير المشاريع السكنية. إن إشراك القطاع الخاص من شركات موثوقة ذات خبرة في هذا المجال مع الابتعاد عن مبدأ الواسطة والمحسوبية وسياسات التنفيع والإرضاء السياسي وتحقيق المصالح السياسية والصفقات المشبوهة سيسهم بشكل كبير في حل هذه المشكلة الأزلية.
أعتقد أن جميع الشباب وبلا استثناء سيتقبل الحلول كافة طالما كانت واقعية وملومسة، ولعل أهمها السكن بعيدا عن مركز العاصمة والمناطق القريبة، طالما كانت المناطق الجديدة ذات بنية تحتية حديثة ومن خلال فرض فرص تشجيعية أخرى كزيادة مساحة البناء وحجم الأراضي وتوافر المراكز الحكومية والترفيهية القريبة من المدن السكنية الحديثة، ولعل التجربة ستكون خير دليل على ما يطرح في هذا المقال.
إن ما نحتاجه بالفعل هو خطة واضحة الأهداف ومحددة المعالم تبنى على أساس جدول زمني يقوم على أسس واقعية بعيدا عن التطلعات والآمال صعبة التحقيق وبعيدا عن الحلول المادية التي تعتبر حقن تهدئة آنية المفعول، وذلك عن طريق سرعة تخصيص الأراضي السكنية وفقا للمخطط الهيكلي وبالتنسيق مع شركة نفط الكويت ومن ثم توفير البنى التحتية الأساسية التي تقوم عليها إنشاء أي مدينة سكنية جديدة ومن ثم توزيع الطلبات على المتقدمين وفقا لكشوفات المؤسسة لعلنا بذلك نتمكن من تجاوز هذه الأزمة الصعبة».

boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.