أحدهم عرض مخه للإيجار لعدم التفرغ للتفكير، كما يقول، وما إن فعل ذلك حتى فوجئ بحجم من كشفوا عن عروض مماثلة، فالكثيرون يبدو أنهم على استعداد لفعل ذلك مجانا، وربما ما يحدث داخل المشهد السياسي حاليا هو بسبب مثل تلك الخطوة، فقد منح الكثيرون عقولهم دون شروط ودون حتى أن يسألوا في ماذا يمكن أن تستخدم مثل تلك العقول.
الدستور هو المرجعية التي اتفقنا جميعا عليها، ومادام حدد ذلك الدستور المسؤوليات والأعباء فالمفترض بنا ألا نخرج عن إطارها وأن نحترم كل تلك المسؤوليات، فالحكومة ورئيسها هم المسؤولون سياسيا عن السلطة التنفيذية وكل ما يتعلق بها، ومن الخطيئة أن نتجاوز هذه الحقيقة الدستورية نحو أطراف أخرى بداعي الشخصنة والأحقاد القديمة.
عندما يطرح مشروع الإصلاح السياسي وما يحتويه من مضامين مثل إشهار الأحزاب السياسية ومعالجة قانون الانتخاب ليتواءم مع ذلك التوجه وتفكيك الصلاحيات الحكومية وتوزيعها على المحافظات فإنه يمكن لنا أن نقول إن تلك المطالب المشروعة رفعت السقف السياسي في البلاد، لكننا لا نستطيع أن نطلق مثل تلك المفردة على من يعبث بالوحدة الوطنية ويدق إسفينا بين مكونات المجتمع الكويتي.
لا يمكن أن نصف كل ذلك الحجم من الشتائم في مواقع التواصل الاجتماعي وشخصنة القضايا السياسية على أنه رفع للسقف السياسي لأننا في ذلك نتجاوز على الدستور والأعراف البرلمانية الراسخة طوال عقود من الزمن، ونختلف عميقا مع ما يؤشر له العقل الواعي فالشتائم والشخصنة لا يمكن أن تكونا نموذجا للتطوير والتنمية.
رفع السقف السياسي لا يمكن إلا أن يكون من خلال مطالب سياسية واعية تضع في حسبانها كل ذلك التراث الديمقراطي منذ عشرينيات القرن الماضي، ولا يمكن إلا أن يكون على يد رموز قادرة على تبني مثل تلك المطالب المجردة من كل هوى وغرض، أما من يعتقد أن هناك فرصة لأن يدعي مثل ذلك الإصلاح من خلال استباحة كل ذلك التاريخ السياسي الجميل فهو مخطئ.
لا يمكن لمن يؤجر عقله مجانا لكل تلك المشاريع الفارغة أن يطرح مشروعا للإصلاح ولا يمكن لمن رضي أن يستخدم كأداة وترس في آلة العبث أن يخلق واقعا أفضل مما نعيشه الآن، بل ستكون طروحاته عقيمة كما تلك التي ابتذلت فيها الأفكار رغما عنها، تارة بيد هذا الطرف وأخرى بيد الطرف الآخر، رغم الادعاءات.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق