خليل حيدر: «الحمد».. يستكمل حديث الدواوين

لا يمكن السماع باسم الراحل الكبير الشيخ عبدالله السالم الصباح دون أن يرد إلى الخاطر الاستقلال والدستور والعديد من المنجزات الأخرى البارزة في حياة الكويت. غير أن الأحاديث والنوادر التي يسردها الأديب «حمد عبدالمحسن الحمد» في الجزء الثاني من كتابه الصادر منذ فترة قريبة «حديث الديوانية»، تشير إلى جوانب أخرى من شخصية هذا الحاكم الثرية، واهتمامه حتى بالفن الكويتي، إلى جانب أشياء كثيرة ومسؤوليات، تابع تفاصيلها كأمير للبلاد.
فعندما تم تعيين الشاعر «أحمد العدواني» وكيلاً لوزارة الإعلام، وكان من مهام عمله الإشراف على جهازي الإذاعة والتلفزيون، التقى بعد تعيينه بالشيخ عبدالله السالم، الذي خاطبه قائلا: «يا أحمد الله يعينك، انت لازم ترضي عبدالله السالم وترضي عواد سالم»، فاختصر بذلك صعوبة الدور الذي يوم به الإعلام، كي ينال رضا الحاكم والمحكوم معاً!.
ويقول الفنان الكويتي القدير «سعد الفرج» في حديث إذاعي، انه عندما قابل الشيخ مع مجموعة من الفنانين، «أبدى الإعجاب بأعمالنا التمثيلية وشجعنا، ولكن وجَّه لي نقداً شخصياً في أسلوب الأداء في بعض التمثيليات لم أكن أتوقعه، وهو يجب ألا أحرك يدي كثيراً!.
ويقول الفنان المعروف إنه عندما كان يدرس فن التمثيل في الولايات المتحدة، نبهنا الأستاذ الأمريكي وهو يدرسنا، إلى أن «تحريك اليدين بكثرة في التمثيل جانب سلبي».
الجزء الثاني من كتاب الحمد ممتع كالأول وإن كان أصغر منه حجماً بعض الشيء، أما محتوياته، فهي كالجزء الأول، ترسم ملامح «سيرة مجتمعية»، كما ورد على الغلاف. وكم يتمنى القارئ أن يُمضي الأخ حمد جزءاً من وقته كل ليلة وكل مناسبة، متنقلاً بين الدواوين، يبحث عن النوادر ويستمع إلى الرواة، كي يرصد المزيد من الحكايات، التي إن لم تدون ضاعت، رغم أهميتها القصوى في إثراء معلوماتنا عن التاريخ الاجتماعي للبلاد، كما أشرنا في مقال سابق. ويكفي أن يتصور المرء حجم الخسارة الفكرية والمعلوماتية في التاريخ العربي عموماً، لو لم تُدون كل هذه الطرائف والمعلومات الجانبية منذ العصر الأموي والعباسي إلى اليوم، وجرى الاكتفاء بالتاريخ السياسي والحملات والحروب وأسماء الخلفاء والقادة. ومن هنا، فالأستاذ الحمد قد سد بكتابه فراغا واسعا لا تزال تعاني منه المكتبة الكويتية. وتدل القصة التي اقتبسناها من الكتاب في مقال سابق عن اكتساح مرض الجدري، وتعامل الكويتيين معه كمجتمع مسؤول، على قيمة وفعالية الجهد الجماعي في أوقات عصيبة كانتشار الوباء والرعب السائد من سريان العدوى.
ففي عام 1831 كذلك انتشر مرض الطاعون في المنطقة ومات الكثيرون وبخاصة النساء والأطفال حيث أصاب المرض البلاد أثناء موسم الغوص، ويروى أن بعض العائلات المعروفة، كما جاء في الكتاب، فقدت جميع أفرادها في تلك السنة. ورغم ذلك امتص المجتمع الكويتي على بساطته آنذاك هذه الكارثة المروعة، وواصل وجوده. وكم نتمنى لو كان أحد المعاصرين لها قد دون شيئاً، ولعلنا نستمد من هذه السابقة، الشجاعة والمعنويات العالية للتغلب على أزمتنا الحالية، التي تحاصر مجتمعنا وتغرق أبناءه!.
من حكايات الكتاب روايات تدل على شدة محافظة المجتمع في بعض مراحله، مهما تحدثنا عن «الانفتاح النسبي» للمجتمع الكويتي! ويروي الكتاب أن الفنان «سعود الراشد» كان يحاول في بداية شبابه ألا يعرف الأهل والجيران أنه يهوى أو يشتغل بالطرب، لهذا كان يحاول أن يخفي العود الذي يتدرب عليه بأي وسيلة، فعندما يخرج من المنزل كان يضع العود في «خيشة» أو «شوال».. حتى لا يراه أحد.
وسبب وضعه في كيس من القماش أو الخيش، «أن والده «راشد الرباح» كان من كبار أستاذية البناء في الكويت، لهذا عندما يخرج ومعه «خيشة» وبها العود فهذا ليس بمستغرب، حيث إن البعض يعتقد أن بها لوازم أو «عدة» بناء البيوت».
لم يكن الزيتون معروفا في الكويت ربما حتى منتصف القرن العشرين! وما من كويتي عاصر ذلك الجيل إلا وله حكاية عن اللقاء الأول مع هذه الثمرة المالحة العجيبة التي تشبه «الكنار» أو النبق. وكان أهل الكويت والخليج يسمعون ذكر الزيتون في القرآن ولكن لا يعرفون شكله، بينما كانوا يعرفون التين، الحلو المذاق، الذي كان يصلهم من العراق وإيران. ويروي المؤلف عن الأستاذ عادل العبد المغني أن الشاعر يعقوب الرشيد سافر في الأربعينيات من القرن الماضي إلى لبنان لأول مرة لمرافقة مريض من العائلة وسكن الجبل، وعلى المائدة «تلمس يعقوب الرشيد حبة الزيتون، وما أن قضمها إلا وشعر وكأن أحد أسنانه قد كُسرت، وامتعض من الطعم المر وأخرجها من فمه، وكان يعتقد أن طعم الزيتون كطعم التين حلو المذاق»، ويقول يعقوب الرشيد: بعد تلك الحادثة لم أذق طعم الزيتون»!.
أما طرفة الكتاب المضحكة حقاً فهي من مقبرة الصليبيخات!! يقول الأستاذ حمد:
كان للشيخ عبدالله السالم رحمه الله أصدقاء من كبار وجهاء الكويت يرتادون مجلسه ويرافقونه في السفر، وغالبا ما يحدث بينه وبينهم مزاح محبب أو تقع مفارقات.
وفي بداية الستينات من القرن الماضي افتتحت مقبرة الصليبيخات، وكانت بديلاً للمقابر التي بالعاصمة بعد أن اتسع العمران.
وفي بداية افتتاح المقبرة شارك الشيخ عبدالله السالم بواجب العزاء ومراسم دفن أحد المتوفين، وكان معه أصدقاؤه، ومنهم من هو أكبر منه سناً ومنهم من هو أصغر. وبعد انتهاء مراسم العزاء التفت الشيخ عبدالله السالم نحو أحد الأصدقاء، وكان أكبر منه سناً مداعباً: «والله يا أبو سليمان ودنا مفتتحينها فيك».. فصار الأصدقاء يتندرون بهذا الموقف في مجالسهم غير أن «أبو سليمان» توفي بعد الشيخ عبدالله السالم بل «وبعد الشيخ صباح السالم، رحمهم الله جميعاً».
هذه طرفة كويتية حقاً.. ولعلها أندر طرائف الكتاب.
نحن بانتظار الجزء الثالث من كتاب حمد الحمد!

خليل علي حيدر

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.