
“يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (البقرة 269).
ثمة تناقض أساسي في طريقة استعمال البعض لخطاب مقاطعة الانتخابات, بحجة الرغبة في الاصلاح! ويتمثل هذا التناقض اللفظي والفكري وفق وجهة نظري الشخصية في طريقة التفكير الغريبة والتي يحاول خلالها البعض تبرير ما لا يمكن تبريره سياسياً وحتى بلاغياً! فالاصلاح الحقيقي يبدأ ويستمر عن طريق عدم تضييع فرص الإصلاح وعن طريق المشاركة في رسم الخريطة الديمقراطية في البلد. حيث لا يمكن تبرير التنازل عن حق دستوري واضح (التصويت) ومن ثم الاستمرار في تحميل الطرف الآخر في العملية الديمقراطية الوطنية مسؤولية عدم الرغبة في الاصلاح ! فالإصلاحات الاقتصادية والحضارية عامة تبدأ في إبداء الرغبة في المشاركة الفاعلة في العملية الديمقراطية المحلية. ولذلك, يصعب شرعنة خطاب المقاطعة ما دام البعض يتنازل طوعاً عن حقهم القانوني في تكريس الإصلاح !
الديمقراطية عامة لا تصفق بيد واحدة, ولكنها ليست بالضرورة كذلك أن تصفق بأربعة أياد! فمن يرغب في الاستفادة الفعلية من الممارسة الديمقراطية البناءة عليه المشاركة في صناعة حاضر ومستقبل بلاده ما دام تتوافر لديه آلية تصويت دستورية تمنحه حقاً وواجباً وطنياً في المشاركة في بناء حاضر ومستقبل بلاده.
ومن هذا المنطلق, يصعب تبرير مقاطعة ربما تهدف بشكل أو بآخر إلى حصر حرية التصويت وفق إطار انتخابي معين يبدو انه يصب في مصلحة تيارات سياسية معينة أو مجموعات بذاتها. فالإصرار الشخصاني من قبل البعض القليل على تقييد حرية الانتخاب هو بشكل أو بآخر محاولة لتقييد حرية الفرد المواطن في إصلاح بيئته المحلية. ولذلك لا يحق لأحد الأفراد التدخل في الحرية الشخصية لمواطن آخر بهدف تحبيطه أو ثنيه عن بناء حاضر ومستقبل وطنه الذي ينتمي إليه جسداً وروحاً وولاءً.
الرغبة في الاصلاح الحقيقي لا تتمثل في لف اليد اليسرى فوق الرأس لمسك الاذن اليمنى كما فعل جحا ! فالاصلاح يبدأ ويستمر في استثمار الطاقات والجهود الإنسانية والفرص المتاحة لتنفيذه على أرض الواقع اليومي. فما دام يتوفر حق المشاركة الديمقراطية في تكريس إصلاح فعلي على أرض الواقع, فلماذا أتنازل كفرد حر ومستقل عن ممارسة حريتي الشخصية وأن أبدي الرأي الحر وأن أساهم كمواطن صالح في رفع شأن وطني ومجتمعي الذي أنتمي إليه.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق