منذ سنة 1964، وهي السنة التي اسقطت فيها الاطراف المناوئة للنظام الديموقراطي في السلطة حكومة المرحوم عبدالعزيز الصقر الوطنية. ودفعت باولى حكومات كبار الموظفين لتحل محلها. منذ ذلك الوقت – ما عدا بعض سنوات العصر الذهبي – وحتى تولي حضرة صاحب السمو مقاليد الامور، فان هذه الاطراف المناوئة للديموقراطية ما فتئت تحاول تشكيل المجتمع الكويتي الانفتاحي الديموقراطي بتوجهه، وتغييره كي يتأقلم او يتقبل عداءها ومناوأتها، للنظام الديموقراطي ولمبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
هذه المحاولات اتخذت اشكالا عديدة واعتمدت على اطراف وقوى موجودة او تم اختلاقها او احياؤها من اجل ان يكون لها دور في ضبط وربط المجتمع الكويتي وتطبيعه للانسجام وسياسات الاطراف المناوئة للديموقراطية. وهكذا وجد المواطن الكويتي نفسه يخضع لضغوط وايحاءات اجتماعية، واحيانا قانونية، تدفعه للتخلي عن حريته وتغيير سلوكه المدني واخضاعه لتقاليد وضوابط دينية او اجتماعية – قبلية هي في الاصل غريبة عليه وغير متوافقة مع الخصوصية والذات الكويتية التي تجذرت منذ البداية على هذه الارض.
ربما كان من الممكن تقبل هذه التغيرات واحتضان القوى الجديدة على المجتمع الكويتي، خصوصا انها لا تختلف اصولا او عرقا او حتى ديانة عن البقية، لكن لنتذكر ان اقحامها كان الهدف الاساسي منه «تدجين» المجتمع الكويتي واخضاعه كي يتوافق ونفَس وطموح الاطراف المناوئة للنظام الديموقراطي في السلطة. ولهذا، فبدلا من «تكويت» القوى الجديدة او المستجدة، تم تغريب الكويتيين وترويضهم على التكيف والمجتمع الانغلاقي المنعزل الذي تم ارساء قواعده عبر القوى المستحدثة ومن خلال تعزيز سيطرتها الثقافية والمادية على مناحي الحياة وعموم النشاط الحيوي في الكويت. واذا كان لهذه القوى كلفة على الكويتيين فان كلفتها على النظام كانت اكثر واشد ازعاجا بسبب الطبيعة الاجتماعية لمعيشتها ونمط تفكيرها. فقسم على عداوة مع العمل، وذو كلفة عالية للابقاء على ولائه، بينما القسم الثاني لديه طموح سلطوي وحساسية ضد الانفتاح والتنمية. فكان مرض الشيخ سعد ثم وفاته بداية انتفاء مبررات التحالف او اعتماد النظام والسلطة هنا على هذه القوى لدعمها او تعزيز نفوذها السياسي.
بل ان تولي حضرة صاحب السمو سدة الحكم عجل من انفجار التناقض بين السلطة وحلفائها بسبب طبيعة صاحب السمو «الانفتاحية» ورغبته في الانعتاق من حالة الجمود والركود العام التي خيمت على الكويت خلال العقود الاخيرة. وهكذا اتت المراسيم الضرورية الاخيرة كمحاولة جادة ومسؤولة لانتشال الكويت من الخطر الذي اصبح قائما واستعادة «كويت الاول» التي ضيعها «العهد القديم». لكن بالطبع كان لا بد من المعارضة، وكان لا بد ان تحاول قوى العهد القديم المحافظة على الاخطاء والخطايا التي اختلقتها، وهذا، وليس اي شيء آخر، سبب الصراع الانتخابي الحالي. واذا كان هذا تفسيرا لاسباب معارضة المجاميع القبلية والدينية لاصلاحات صاحب السمو فان من الصعب ايجاد مبرر لمعارضة ما يسمى بالقوى الوطنية الديموقراطية. فهذه ليست نتاج العهد القديم وليس لها مصلحة في استمرار مؤسساته، بل مصلحتها الواضحة هي مع التغيير والانفتاح اللذين بشر بهما صاحب السمو.. لكن لله في خلقه شؤون.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق