عرس ديمقراطي جميل مرّت به الكويت هذه العطلة الأسبوعية، بدأه «المعارضون» بمسيرة حاشدة عبّر فيها هذا الطيف من البشر عن رأيه بكل صراحة وحرية في رفض مرسوم الضرورة والامتناع عن ممارسة حق المشاركة في الانتخابات النيابية، ثم تلاه مشهد آخر هو زحف أطياف أخرى من الشعب الكويتي نحو صناديق الاقتراع ليمارسوا حقهم بالمشاركة ترشحاً وانتخاباً. نعم هو عرس ديمقراطي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كان أجمل ثماره ولادة مجلس نيابي جديد يمهد لإعلان حكومة جديدة لتكتمل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
ومع أن الحراك الشعبي منقسم بشكل كبير إلى يمين ملتزم بالشرعية الدستورية، ويسار تجاوز ذلك ليتحدث عما يسمى بالشرعية السياسية، إلاّ أن الأمر لا يسير فقط في سياقه الطبيعي وهو أمر محمود بالتأكيد، بل يؤشر أيضاً إلى التطور السياسي الفطري المنسجم مع أعرق الأنظمة الديمقراطية التي ينقسم الناس فيها إلى يمين ويسار بصورة تذوب فيها الفروقات العرقية والدينية والمذهبية ليعلو صوت المصلحة العامة المتعلقة ببناء الوطن.
لذا أحسب أن ما جرى في محصلته النهائية هو مخاض قد يكون عسيراً في بعض جوانبه، إلا أنه بالتأكيد يدل على دخول البلاد مرحلة جديدة من التطور السياسي الذي يلتزم فيه الجميع الأسس الدستورية وتعزيز مبدأ القانون في الحركة الإصلاحية من جانب المعارضة وجمهورها، وفي حركة التنمية والبناء من جانب الحكومة وجمهورها. ولست هنا ممن يريد أن يغطي على بعض الممارسات السلبية هنا أو هناك، ولكن في المحصلة العامة لا يمكن إلا أن نستحسن هذا الحراك مهما كانت «نتائجه» على الصعيد الشعبي و«مؤدياته» على الصعيد السياسي. ولكن الأهم اليوم أنه لا خشية من استقرار الحياة الديمقراطية في البلاد ما دام الجميع حريصاً على العمل تحت مظلة الدستور وسقف القانون.
إنها ثقافة التعددية التي تؤدي إلى ترسيخ النضج الشعبي وتعين العامة من الناس على أخذ دورهم في قراءة كل مجريات الأحداث والتفاعل البناء معها. لذا لا بد من أن نتفاءل خيراً لما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل القريب والذي بإمكاننا لو تم تصفية النوايا وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، أن نؤسس لمنهج جديد يحكم البلاد هو حكومة مدعومة شعبياً، ومجلس متناغم ومنسجم معها يدفعان عجلة التنمية في البلاد إلى الأمام، وحكومة ظل قوية تراقب من الخارج وتحرك الشارع باتجاه تقويم مسار تلك العجلة، وبالتأكيد إذا نجحت تلك العملية الديمقراطية فلن يكون هناك مكان للمتقاعسين أو المتمصلحين في مواقع المسؤولية.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق