صالح الشايجي: الجدر والملاس

الغلو في الخصومة والفجور فيها، أمر مرفوض ونقيصة في الإنسان إن خاصم شخصا آخر، فكيف إذا ما كانت تلك الخصومة خصومة مع وطن وتاريخ وناس وأهل وعشيرة؟!
إن الذين يخاصمون أوطانهم ويغالون في هذه الخصومة ويبتدعون الوسائل التنكيدية والفوضوية إرضاء لما يعتمل في صدورهم من مشاعر مضطربة، لا يحق لهم الحديث عن الوطنية والديموقراطية والدستور و«كرامة وطن»!

إن كرامة الأوطان تكون في حفظ هذه الأوطان من العبث والفوضى واشعال النيران في أكباد أهلها، وليس العكس، وتلك – لعمري – بدهية يدركها الجنين في أحشاء أمه، وهو كتلة لحميّة صماء لا حراك فيها ولا نفس! فكيف لم يدركها من دوّخت السنون واهن عظامه، وألقته في مغارب العمر لا مشارقه؟!

إنْ تورطتَ في أمر أو فشلت فيه، فاحمل وزره وحدك، ولا تحمّل الآخرين أوزاره ولا تنكبهم في نكبتك!

وهذا ما يجعلني أقول عن تلك الفئة الظالمة نفسها ووطنها وأهلها وعشيرتها، إنها جماعة سياسية هاوية ( بمعنى الهواية ) وليست محترفة سياسة، لأنها لا تؤمن بحدود اللعبة السياسية، وميدان السياسة عندها أرض بطحاء مفتوحة لا حدود لها، ولا تؤمن إلا بأن تكون الغلبة لها، وإلا فلتسر النار بهشيم البلاد وعظام أهلها!

فهل رأت الدنيا ساسة على هذه الشاكلة الأنانية التدميرية، في غير بلادنا، وممن نصّبوا أنفسهم أولياء وأوصياء علينا وعلى بلادنا؟!

إذا كان مثلنا العتيق الصادق يقول «اللي في الجدر يطلعه الملّاس» أي أن مكنونات القدر من الطعام – غثا كان أو سمينا – تخرجه المغرفة، فإن «ملّاسنا» قد أخرج ما في «قِدرنا»، وأظهر أن نسبة المقاطعين للانتخابات الأخيرة تقل عن 20% مقابل أكثر من 80% يؤمنون بعدالة الصوت الواحد ودفع مركب البلاد إلى الأمام والحفاظ عليها وعلى أمن أهلها، فإذن ماذا لدى أولئك الحانقين المحتقنين والذين لا يشكلون حتى 1% من جملة المقاطعين الذين انتهج بعض عقلائهم النهج الصحيح فقاطعوا دون تأجيج ولا ضجيج، ماذا لدى أولئك الحانقين؟! وماذا يريدون بعد أن انكسرت عصيُّهم في أول غزوتهم وولّت خيلهم مدبرة تثير النقع؟!

من لا يملك الخير لوطنه، فإن عليه التحلي بفضيلة الصمت، وألا ينشر شره فيه!

katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.