أفضل ما تتميز به ديمقراطيتنا الكويتية هو إتاحتها الفرصة لأغلبية المواطنين للأدلاء بآرائهم حول مختلف القضايا المحلية عن طريق نقاشها مع الآخرين, أملاً في الوصول إلى حلول عملية لما يواجهه البلد من تحديات مختلفة. ولكن عندما يتحول جزء معين من هذا النقاش الديمقراطي نفسه الى جدل عقيم وهدف بعينه, وليس مجرد وسيلة تفاوضية للوصول للحلول, وعندما يتحول تركيز المشاركين في هذا النوع من النقاشات ليس على الأفكار التي يطرحها معارضوهم أو التمعن في مدى مصداقيتها وقدرتها على توفير الحلول للمشكلات المعلقة, ولكن ليصبح الهدف منها الرغبة في إطالة امد الجدال واستمراره الى ما لا نهاية, فهنا تكمن المشكلة. فهذا النوع من النقاشات التي في ظاهرها ديمقراطي وفي أساسها شخصاني وإنفعالي يجب أن تتوقف لأنها بالفعل فقدت مشروعيتها الديمقراطية, وأصبحت جدلاً بيزنطياً متكرراً يؤخر ولا يقدم, يُفشل ولا يُنجح, بل يُعتم رؤية الجميع.
ما يفرق بين النقاش المنطقي والمقبول والجدال البيزنطي هو استناد الأول إلى اتفاق الأطراف على فرضيات أساسية واختلافهم ربما في طريقة تطبيق الحلول, فإذا تم الاتفاق على الفرضيات الأساسية للموضوع سيصل المتناقشون الى حل عندما ما ينتهون من توضيح وجهات نظرهم, إضافة الى ذلك, النقاش الناجح عادة يميزه إستناده إلى دلائل, سواء كانت نظرية أم موضوعية ويمكن التحقق منها. أي بمعنى ما يجعل بعض النقاشات السياسية في بيئتنا الديمقراطية الكويتية تتحول لجدالات يبدو انها لا تنتهي هو أن بعض المتجادلين يبدو انهم يحاولون إثبات فرضياتهم بحجج غير منطقية ودلائل مهلهلة وركيكة وغير واقعية, ولهذا ترى كثيراً من هؤلاء يقضي ساعات متواصلة يحاول إقناع الآخرين بوجهة نظره الفاقدة أصلاً للنصاب الفكري من الناحية المنطقية. بينما معارضوه يحاولون أن يفعلوا الشيء نفسه ! وهكذا يتحول النقاش حول أي موضوع محلي إلى حلقة مفرغة تستهلك الجهود , مع أن الجميع يستطيعون في أي لحظة التوقف فترة من الوقت لإلتقاط أنفاسهم والتمعن بشكل جدي فيما يقوله الآخرون, وليس الاستماع فقط لأنفسهم !
لايزال هناك أمل في التغلب على ما تعانيه بيئتنا الديمقراطية هذه الأيام من رواج للجدل العقيم, وندرة في النقاشات الفاعلة المنتجة للحلول. وهذا الأمل سيتركز حسب ما أظن في التعمق في التفكير من قبل الجميع فيما إذا كانت الكويت وطن الجميع تستحق منا هذا الجدل المتواصل, أم أنها تستحق ما تستحقه الأوطان من أبنائها وهو رفع شأنها في مختلف المجالات عبر إعتناق حوارات بناءة. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق