يؤكد الأديب الدكتور خليفة الوقيان أن السلطة الشرعية في الكويت لم تعد تتشكل وفقاً لأحكام الدستور، بل هي في يد قوى فكرية أصولية متشددة شرعت في تنفيذ خطتها المتدرجة في تغيير بنية الكويت الثقافية. كذلك يأسف لواقع المشهد السياسي المحلي لأسباب عدة، من بينها تدهور لغة الحوار والانحدار إلى مستوى السّباب الشخصي، والافتقار إلى الشفافية. كذلك يرى د.الوقيان أن المناخ السياسي لم يعد نظيفاً، وعلى الرغم من ضبابية الصورة يعقد الأمل على الجيل الجديد من الشباب، مشيراً إلى أنهم يملكون القدرة على فهم المتغيرات التي حدثت في المحيط المحلي، والمحيط العربي عموماً. في حديث عن دور مؤسسات المجتمع المدني، يقول إن ثمة مؤسسات نشيطة وأخرى متوسطة النشاط وثالثة خاملة، مؤكداً تراجع بعض المؤسسات في القضايا القومية والوطنية واستمرار المؤسسات ذات الصبغة الأيديولوجية الدينية في ممارسة دورها سياسياً، ويربط سبب عدم رواج الشعر الفصيح راهناً بالتخريب الذي أصاب ساحة الشعر الفصيح، إذ أسرف بعض الشعراء في التغريب والتجريب مساهمين في نفور المتلقي عن نتاجهم، وإعراضه عنهم وعن الشعر عموماً. في ما يتعلق بتعديل اسم رابطة الأدباء في الكويت ليصبح رابطة الأدباء الكويتيين، يعتقد د. الوقيان أن خطأ إجرائياً يكتنف هذا القرار. «الجريدة» التقت الأديب خليفة الوقيان عقب حصوله على جائزة فلورنسا للإبداع والتميز في الشعر، وفي ما يلي نص الحوار. خلال رحلتك إلى فلورنسا، لا بد من أنك لمست انطباع الإيطاليين عن ثقافتنا، كيف ينظر المثقف الإيطالي إلى المشهد الثقافي الكويتي؟ لا أعتقد أن المدة القصيرة التي أمضيتها في فلورنسا كافية للخروج بحكم موضوعي بشأن هذا الموضوع، غير أن الباحثين والأدباء والتشكيليين الذين التقيت بهم خلال الاحتفال بتوزيع الجوائز وأثناء حفلة العشاء وخلال اللقاءات الأخرى كانوا يحملون تقديراً للثقافة العربية، ورغبة في تحقيق مزيد من التواصل بين الإيطاليين والعرب، فضلاً عن اهتمامهم المتزايد بتعلم اللغة العربية. لكن ما زلنا في حاجة إلى مزيد من الجهود للتعريف بوجه الكويت الثقافي، الكويت التي يحبون، واقترح البدء بإقامة معارض للفنون التشكيلية هناك فهي مفيدة للغاية، وغير مكلفة، فضلاً عن ترجمة نماذج من الأعمال الإبداعية والدراسات. هل للشعر قضية في وقتنا الراهن؟ لا أعتقد بوجود علاقة للزمن بوظيفة الشعر أو قضيته، فحيث يوجد المبدع الحقيقي في أي عصر وفي أي مصر فلا بد من أن تكون قضية الإنسان والحياة حاضرة في ضميره، ومن ثم في إبداعه. نتاج الشاعر ما الذي يكرس للشاعر حضوره عند الناس، وهل هي وسائل الإعلام التي تساهم في تكريس أسماء معينة؟ حضور الشاعر يكرسه إنتاجه، أما الاعلام فهو وسيلة توصيل لا يُنكر دورها وأهميتها، وإبراز وسائل الإعلام أسماء دون غيرها أمر يعود إلى أمانة المهنة، وأحسب أن أهل الاختصاص يملكون القدرة على التمييز بين الإبداع الجيد والأقل جودة والرديء، ولا تستطيع وسائل الإعلام تغيير قناعاتهم إن ابتعدت عن الالتزام بالمعايير العلمية والموضوعية. في ظل انتشار شعراء العامية وسيطرتهم على وسائل الإعلام، كيف ترى مستقبل شاعر الفصحى؟ يزدهر الشعر الفصيح في بعض المراحل ويتراجع في مراحل أخرى، ثم يعود إلى الازدهار، فثمة آراء تذهب إلى أن الشعر تراجع في بداية ظهور الإسلام، لكنه استعاد موقعه خلال العصر الأموي وازداد ازدهاراً خلال العصر العباسي. في حقبة احتلال العثمانيين للوطن العربي، تدهورت اللغة العربية ومعها الشعر الفصيح، وبعد انتهاء الحقبة العثمانية، التي يتوق بعض إخوتنا إلى عودتها، استعادت اللغة العربية عافيتها واستعاد الشعر حياته وسميت تلك المرحلة «مرحلة الإحياء»، أي أن الشعر غادر حالة الموت السريري وباشر النهوض. أما اليوم فقد حقق الشعر إنجازات هائلة على طريق التطور، وأعتقد أن السبب في كون الشعر الفصيح أقل انتشاراً في هذه المرحلة لا يقتصر على اهتمام وسائل الإعلام بتسويق الشعر العامي فحسب، بل ثمة أسباب أخرى يقف في مقدمها التخريب الذي أصاب ساحة الشعر الفصيح، فقد اعتقد كثير ممن لا علاقة لهم بالشعر أن نثر أي كلمات على السطور يدخلهم ضمن طائفة الشعراء، كذلك أسرف بعض الشعراء في التغريب والتجريب، فأسهموا بذلك في نفور المتلقي منهم، وإعراضه عنهم وعن الشعر عموماً. ثمة فريق ثالث يمثله الذين لا يزالون يعتقدون أن الشعر هو «كلام موزون مقفّى» فحسب، لذلك نجدهم ينظمون ما يشبه المقالات أو البيانات التي تنتهي سطورها بالقافية، وفاتهم أن المتلقي المعاصر يملك ذائقة لا تستسيغ هذا اللون من المنظومات. تخريب وتطفل وجمود تضاعف عدد المتجهين إلى السرد في الساحة المحلية، هل يعني أن الشعر فقد بريقه؟ ليس لدي تعليل علمي لسبب كثرة تحول الشعراء نحو السرد. قد يكون بعض الشعراء مبدعين في الجنسين الأدبيين معاً، وربما يصح القول إن الشعر فقد قدراً من بريقه بسبب ما لحق به من تخريب أو تطفل أو جمود، كما أشرت سابقاً. هل ترى أن مؤسسات المجتمع المدني تمارس دورها كما ينبغي، لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة؟ لا بد من التمييز بين مؤسسة وأخرى من مؤسسات المجتمع المدني فثمة مؤسسات نشطة، وأخرى متوسطة النشاط، وثالثة خاملة، هذا في ما يتعلق بمجال تخصصها. أما في ما يخصّ إسهامات تلك المؤسسات في القضايا القومية والوطنية فلم تعد كما كانت سابقاً. بدورها، المؤسسات التي لا تزال نشطة في المجال السياسي هي المؤسسات ذات الصبغة الأيديولوجية الدينية، التي تقتصر عضويتها على طائفة دون غيرها، فهذه المؤسسات أو الجمعيات هي واجهات لأحزاب سياسية، ولديها من الإمكانات المالية والخبرات التنظيمية ما يمكنها من العمل. فكر أصولي متشدد دأبت على المطالبة بصيانة منابع المعرفة وعدم المساس بها، هل ترى أن انفراجاً سيحدث قريباً أم أن الوضع يزداد سوءاً، وكيف ترى القوى المتشددة راهناً، هل ما زالت تحكم قبضتها على القرارات؟ لا. لا أعتقد باحتمال حدوث انفراج، فالسلطة الحقيقية في الكويت لم تعد في يد السلطة الشرعية التي تتشكل وفقاً لأحكام الدستور، بل هي، كما قلت سابقاً، في يد قوى فكرية أصولية متشددة أحكمت قبضتها على البلاد وشرعت في تنفيذ خطتها المتدرجة في تغيير بنية الكويت الثقافية. لا تعرف هذه القوى طبيعة تشكل المجتمع، وطبيعة الثقافة التي مكنته من البقاء والتطور عبر القرون المنصرمة وكما قلت مرات عدة أيضاً، إن تفرد قوى الغلو بإدارة البلاد، في غفلة وغيبوبة من السلطة الشرعية، سيقود إلى تشظي المجتمع وتمزقه، وتحوله إلى شظايا طائفية وقبلية، إن لم نقل إن الأمر قد قضي. دمرت بنية الكويت الثقافية، وأصبحنا نعيش في ظلال ثقافة مغايرة، إذ غمر اللون الأسود البلاد والعباد، واختفت الابتسامة من الوجوه، وأصبح هم المواطن البحث عن الإجازة وتذكرة السفر كي يغادر بلاده التي كانت جميلة فتصحرت رياضها، ويذهب الى أي مكان في الأرض، حتى لو كان دول الخليج العربي، لأن طوفان طالبان لم يغرقها بعد، فهناك يستطيع أن يقرأ ويشاهد ويسمع ويلبس ما يشاء بعيداً عن أذى المبشرين والمروجين لثقافة الموت، ولثقافة الخرافة وتفسير الأحلام وإخراج الجن من الجسد التي تغرقنا بها أجهزة إعلام الدولة، والإعلام الخاص. تعصف الساحة المحلية السياسية بالفوضى والتناحر وعدم قبول الآخر، لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ آثرت في السنوات الأخيرة عدم الخوض في الجدال السياسي المحلي لأسباب عدة منها: تدهور لغة الحوار، والانحدار إلى مستوى السباب الشخصي، والافتقار إلى الشفافية، ثم إن المناخ السياسي لم يعد نظيفاً، والأمور لم تعد واضحة، ويبدو أن وراء الستارة غالباً لاعبين يحركون كثيراً من الأدوات السياسية التقليدية، ولهم أجنداتهم الخاصة التي لا ترتبط بمصلحة الوطن العليا. كذلك أحسب أن الأمل معقود على الجيل الجديد من الشباب، فهم يملكون القدرة على فهم المتغيرات التي حدثت في المحيطين المحلي والعربي، ومن ثم التفاعل معها وفق آليات غير تقليدية. حديثاً تم اعتماد مسمى الرابطة الجديد «رابطة الأدباء الكويتيين»، هل ترى أن للمسميات أهمية قياساً للدور المطلوب من هذه المؤسسات الثقافية؟ المسميات لها دلالاتها، وحين عدل اسم الرابطة في عام 1986، كما أظن، كانت الرابطة آنذاك تحتضن عدداً كبيراً من أساتذتنا من الأعلام العرب، الذين يعملون في جامعة الكويت وفي غيرها من مؤسسات. لم يكونوا أعضاء رسميين في الرابطة، لكن كانت لهم إسهاماتهم الثرية في نشاطها. أما تعديل الإسم ليصبح «رابطة الأدباء الكويتيين» ففيه إيحاء بأن الرابطة للكويتيين فحسب، لذلك وقفنا د. سليمان الشطي وأنا وبعض الزملاء ضد هذا التعديل الذي لم يكن له أي مسوغ. أعتقد أن اعتماد اسم «رابطة الأدباء الكويتيين» فيه خطأ إجرائي، ولا يقوم على دليل، فالتعديل الذي تم بقرار من الجمعية العمومية للرابطة في عام 1986 لم ينقضه قرار آخر من جمعية عمومية أخرى، وقد تم التعديل الجديد بناء على قول موظف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إنه لم يعثر في سجلات الوزارة على قرار الجمعية العمومية للرابطة الذي اتخذ في عام 1986. السؤال هو، كيف اعتمدت وزارة الشؤون الاجتماعية والبنوك والمؤسسات الحكومية الأخرى اسم«رابطة الأدباء في الكويت» منذ عام 1986 حتى عام 2011 في مراسلاتها إن لم يكن هناك قرار من الجمعية العمومية باعتماد ذلك الإسم. فات الأوان قدمت قبل بضعة أعوام اقتراحاً لمشروع تأصيل الحقائق العلمية وتوثيقها بشأن تأسيس الكويت التي ستكون مئويتها الخامسة في عام 2013، ما الذي تم إنجازه من هذا المشروع؟ قدمت في عام 2000 مشروعاً مفصلاً لتوثيق تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والاحتفال، غير التقليدي، بدخول الكويت المئوية الخامسة لتأسيسها في عام 2013. قلت آنذاك إن علينا أن نبدأ فوراً بجمع كل ما يتصل بالكويت من مصادر ووثائق من الأماكن كافة، المكتبات والأرشيفات ودور الوثائق الهندية والإيرانية والهولندية والبرتغالية والروسية والفرنسية والإنكليزية والتركية…الخ. وترجمة تلك المادة، ووضعها تحت أيدي جمهرة من العلماء والباحثين الأجانب والعرب والكويتيين تمهيداً لعقد مؤتمر عالمي لتوثيق تاريخ الكويت ومسيرتها من جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. بعد ذلك، نترجم تلك البحوث وننشرها على نطاق واسع، فضلاً عن اعتماد تاريخ موثق عالمياً لبدء نشوء الكويت. تابعت هذا المقترح وغيره من مقترحات، لكن لم يتحقق ما تمنيت، وقد فات الأوان، كما يقولون، إذ إن المدة الباقية لا تكفي لإنجاز المشروع بالصورة المطلوبة. وأحسب أن ما سيحدث هو إقامة ندوة محلية نكرر فيها المعلومات التي نعرفها. لقد أضعنا فرصة ثمينة لتعريف العالم ببلدنا بالأسلوب العلمي لا الإعلامي. كذلك أضعنا فرصة الاستفادة من الخبرات العالمية لتوثيق تاريخنا واعتماد تاريخ محدد لنشأة الكويت. هل ترى أن المستقبل سيكون في صالح قوى شباب الربيع العربي الذين قاموا بالتغيير في بعض الدول العربية؟ أرى أهمية التفاؤل، وأن المستقبل سيكون في صالح الشباب، لكن أي شباب نقصد، الليبرالي أم الأصولي؟ ليست لدي إجابات في ما يتعلق بالربيع العربي عموماً، لكن لدي أسئلة أتمنى الاهتداء إلى إجاباتها. لماذا يغرس الليبراليون بذور الثورة، ويتعهدونها بالبذل والتضحية، وحين تنضج الثمار ينقض عليها الأصوليون، والإخوان المسلمون خصوصاً، ويقومون باقتطافها؟ ما الذي يجمع بين الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وتركيا ودول الخليج العربي والإخوان المسلمين للإطاحة بالأنظمة التي اجتاحها الربيع العربي؟ ما الذي أخرج دول الخليج العربي من طبيعتها المتسمة بالوقار السياسي والمحافظة، وجعل بعضها يندفع إلى الإسهام الفعلي في ثورات الربيع العربي؟ هل ما حدث لا يزال ربيعاً عربياً، وهل يمكن القول إنه تحول إلى خريف أصولي، وإخواني خصوصاً. وما هي المحطة القادمة التي سيتجه إليها ذلك الربيع العربي أو الخريف الأصولي؟ هل يعتقد المواطن العربي أن الأخوان المسلمين العرب سيكونون مثل الإخوان المسلمين الأتراك، الذين وجدوا في ظل النظام العلماني التركي؟ يبقى أن هذه التساؤلات لا تعني تبرئة الأنظمة الاستبدادية القمعية من خطاياها، وأن التحرك الشعبي الشبابي، لا العسكري، لتغييرها يعد مؤشراً مهماً ليقظة عربية.
قم بكتابة اول تعليق