نواب الكوبة وجماعة «إلا الدستور» كانوا وما زالوا الأكثر انتهاكا وانتقاصا للدستور وللمبادئ الديموقراطية من أي طرف آخر. وهم وليس غيرهم أول من ابتدع الإضافات السقيمة على القسم الدستوري لعضو مجلس الأمة، التي كانوا يعتقدون أنها تتيح لهم القسم دون الحنث بما يضمرون، لأنهم يقسمون في الواقع على تلبية عقيدتهم والخضوع لمعتقداتهم، وليس للمواد الدستورية وقواعد الحكم المدني.
صاحب السمو أعلنها واضحة وصريحة، ولأول مرة يوم أمس الأول، لأول مرة يتضمن الخطاب السامي لافتتاح مجلس الأمة انعطافا واضحا في السياسة الحكومية، وحرصا واضحا للتصدي «للنزعات الطائفية والقبلية والفئوية والمصالح الضيقة»، لم يسبق للسلطة أن تصدت لمواجهة التطرف أو النزعات القبلية والطائفية والفئوية، بل كانت في الواقع ترعاها وتتعيش عليها، بل تستخدمها لتحقيق الانتصارات على الفئات المعارضة أو المتمردة. اليوم الكويت للجميع، وما يجب أن يسود هو النظام الديموقراطي ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة التي من المفروض أن يستظل بظلها كل الكويتيين. والطريق الوحيد والصريح لتحقيق كل ذلك هو الالتزام بنصوص دستور البلاد والعمل بموجب جميع مواده وتفسيراته من دون اجتهاد فردي أو تفسير خاص.
إن التزام الحكومة بدستور البلاد كما أقره ومرره لنا الآباء المؤسسون، هو الدليل على صحة بل وجدية التوجه الحالي للنظام. وأن تقف الحكومة مكتوفة اليدين أمام العبث بالقسم الدستوري لدليل واضح على عدم الجدية وعدم الالتزام بقواعد النظام وأحكامه، بل بنصوص الدستور الذي تعهّد صاحب السمو بحمايته. إن الحكومات السابقة، وربما الحكومة الحالية معها، والمجالس السابقة أيضا كانت تستسلم للتطرف الديني، وتقف عاجزة عن مواجهة الانتهاكات والعبث الذي تمارسه الجماعات الدينية سواء بدستور البلاد أو بقوانينها ولوائحها المدنية. بل إن الحكومة سايرت كثيرا التطرف الديني وأضفت على الدولة بأكملها الصبغة الدينية، بحيث تحوّلت الكويت، على الأقل شكليا، الى دولة دينية تنافس الدول الدينية في المنطقة. فخطاب كل مسؤول لا يخلو من الأحاديث والآيات القرآنية، بينما تغيب المبادئ الديموقراطية والنصوص الدستورية والروح العصرية عن أي خطاب رسمي مع الأسف.
لقد انتهى عصر الهيمنة الدينية، أو من المفروض أن يكون قد ولّى، وعلى مجلس الأمة الحالي الذي يهيمن عليه، إلى حد ما، التيار المدني أن يقود الحكومة في مواجهة النزعات الدينية، وأن يستثمر الفرصة التي أتاحها صاحب السمو لاستعادة الوجه المدني للدولة والمجتمع.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق