دائماً ما يميز مجتمعات عن غيرها هو أهمية العمل التطوعي في حياة الفرد فيها.. وهذا التميّز هو الذي يرفع من مستوى هذه المجتمعات ورقيها مقارنة بأخرى لا تعتبر العمل التطوعي جزءا مهما من حياة الفرد فيها.. ومن ثم فهي بالتأكيد تفتقر إلى شيء مهم في حياتنا، وهو الذي نعاني منه كلنا وخاصة في الكويت.. وهو السعادة الداخلية، التي تجعل الفرد ينام منفرج الأسارير.. سعيداً يضحك وهو يقاوم النوم عندما يتسلل إلى عينيه.
العمل التطوعي مادة دراسية أساسية في الدول المتحضِّرة، وهو متطلب أساسي للتخرج من المدارس والجامعات.. يحاسب عليها الطالب ويقيّم عمله هذا بالدرجات التي تؤثر بشكل كبير على معدله الدراسي العام.
نحن في الكويت يكاد يغيب هذا الموضوع عن مدارسنا الحكومية، وبعض مدارس القطاع الخاص.. وهذا ليس بأمر مفاجئ، لان من يحدد هذا الموضوع هو نفسه غير مؤمن بأهمية العمل التطوعي.. لأنه بالنسبة إليه إضافة حصة دراسية تكون مادتها الأساسية هي الحفظ فقط، ويعتمد النجاح فيها على التسميع.. أجدى كثيرا من أن يقضي الطالب ساعة في الأسبوع في عمل تطوعي، يساعد فيه معاقا أو كبير سن.. أو في زراعة شجرة صغيرة في منطقة قاحلة.. أو تنظيف شاطئ.. أو مساعدة أسرة فقيرة .. أو.. أو.. من الأعمال التطوعية التي لا تنتهي، مهما ذكرناها.
«لوياك».. واحدة من منظمات المجتمع المدني في الكويت، التي صارعت المتطوعات والعاملون معهن من نساء ورجال وطلبة أيضا في سبيل الحصول على أبسط الحقوق التي تساعدهم على المُضيّ قدما في الرسالة التي قامت من أجلها، وهي مساعدة الشباب والأخذ بيدهم لقضاء أوقات فراغهم، بما يعود على المجتمع أولا، وعلى أنفسهم بالفائدة.
فمنذ أكثر من عشر سنوات بدأت «لوياك» بفكرة بسيطة لم تفكر فيها الحكومة، ولم تفكر أن تفكر فيها.. وهي انتشال الشباب من سن 16 عاما من الفراغ الذي يعيشه خلال العطلة الصيفية واستغلال طاقاتهم الرائعة بالعمل في كل أنواع الأعمال لتنمية شخصياتهم وغرس العمل المجتمعي والتطوعي فيهم بشكل إيجابي ومفيد.
بدت الفكرة آنذاك غريبة وغير مقبولة بالنسبة إلى الشباب الكويتي وحتى أسرهم.. فانتشر الطلبة آنذاك في الفنادق وعملوا بالتنظيف.. وفي المطاعم والكافتيريات وعملوا موظفين يغسلون الأطباق ويقدمون الطلبات.. تطوعوا للعمل مع مرضى السرطان والعجزة.. وقفوا جنبهم رافقوهم أمضوا معهم وقت فراغهم وخففوا عنهم آلامهم قدر ما يستطيعون.
تطوّعوا للعمل في كثير من الكراجات والشركات المهتمة بالعمل اليدوي بالدرجة الأولى.. وذلك إيمانا من اصحاب الفكرة بأن العمل اليدوي هو الذي يبني الانسان في بداية حياته.. وحتى تذوب فكرة ان الكويتي مكانه وراء المكتب يأمر وينهى.. وهي بالطبع فكرة لا نقبلها كلنا، ولكنها للأسف انطبعت عند الكثيرين.. وهذا لم يأت من فراغ.
هذه الجمعية بنت نفسها بنفسها، فلم تقف إلى جنبها الحكومة ولم تدعمها.. امتدت إليها يد المؤمنين برسالتها وسمو أهدافها ودعموها بالمال والإمكانات قدر الإمكان.. فجادت بنتائجها شبابا رائعا يؤمن برسالته.. يضيف الى مجتمعه ويرتقي به.. ويساهم في تطويره.. وهذا عكس ما يحصل مع شباب آخر استُغِل أسوأ استغلال، فتحول بسبب فحوى احتضانه.. من مشروع عنصر فعال في المجتمع إلى عنصر دمار وإرهاب لمجتمعه ومجتمعات غيره.
شبابنا اليوم يعاني الفراغ داخل مدرسته التي خلت من أي نشاطات مفيدة كما كان الوضع عليه قبل أن يتوقف القطار فينا.. وخارجها.. فترى نسبة كبيرة منه تائها لا يعرف ماذا يفعل.. فهو إما بسيارته يدور من شارع إلى شارع، أو على دراجته النارية يستعرض رجولته بين السيارات، وفي الشوارع الرئيسية لعدم وجود مكان يحتضنهم وينقذهم وينقذ مستخدمي الشارع من أي مكروه قد يحصل لأي خطأ.
شبابنا اليوم ينتظر دوره ليمارس رياضة الكرة.. في الملاعب التي يتم تأجيرها بالساعة.. وهو أيضا ينتشر في مواقف الواجهة البحرية يجلس على السيارات يعلك الوقت هناك.. وهو أيضا يتسكّع في المجمّعات التجارية، متباهيا بتسريحة شعره أو بنطاله الذي يكاد يسقط من خصره.. وهو ذاته الذي يدور بسيارته وقد رفع صوت الموسيقى فيها، ويرقص بداخلها متمايلا مختالا فخورا.
أنا لا انتقد الشباب هنا.. إنما أشير الى أن ما وصل إليه هو بالدرجة الأولى بسبب إهمالنا لهم طيلة السنوات السابقة.. لا ثقافة ولا رياضة ولا موسيقى ولا نشاطات أو عمل اجتماعي مفيد.. فلم يجد إلا الشارع وأمراض الشارع.
تفرّعت جمعية «لوياك»، التي اعتبرها فخرا للكويت، إلى لجان امتدت سمعتها إلى العالمية، فحصلت على جوائز تقديرية.. وفتحت فرعا لها في دول عربية أخرى.. وهي إلى اليوم لا تملك مقرا دائما لها.. لأن المقر الذي منح لها بعد سنوات من التنقل هنا وهناك.. وهو المدرسة القبلية في لفتة كريمة من المسؤول عن الموضوع، الذي آمن بعمل الجمعية ورسالتها وجديتها هو مقر مؤقت على ما يبدو.. لذلك فهم عرضة لترك المكان في أي لحظة يطلب منهم ذلك عند تغير الظروف.
ساهم شباب «لوياك» الكويت مع من يقوم بالعمل التطوعي في بعض الدول العربية في مشروع اضافة البسمة إلى الفقراء.. وشاهدت فيلما قصيرا تبتسم فيه أم كانت تعيش مع أبنائها في مكان لا يسكنه الحيوان.. فتحوّل بسواعد شباب الكويت وشباب هذه الدولة، إلى بيت يحمل بين جدرانه معنى الإنسانية.. فعبّرت بدموعها عندما قالت: شو بدي أكثر من هيك؟
أتعلمون ما هو هذا «الهيك» الذي لا تريد أكثر منه هذه الأم؟.. إنه غرفة واحدة رُمِّمت بأبسط المواد على يد شباب الكويت وآخرين من تلك الدولة.. فيها أسرّة جديدة لها ولصغيريها فرشت كلها بأغطية جديدة.. مع حمام صغير تم تغيير مواده الصحية، وتم طلاؤه فقط.. لا أكثر ولا أقل.. هذا بالنسبة لها الذي لا تريد أكثر منه.
صرخة يجب أن تنطلق في داخل كل مسؤول كويتي.. إن هذا النوع من الأعمال هو الذي يبني أبناءنا، وهذا النوع من الحياة هو الذي يطوّر الإنسان الكويتي.. لا إلغاء القروض وإهمال فواتير الماء والكهرباء.. وتعزيز الاتكالية عنده في كل مجالات الحياة.
«لوياك».. شكرا للنساء الفاضلات صاحبات الفكرة ومن ساعد ومن عمل ومن ناضل ومن انتشل شبابنا.. ومن دعم.. شكرا شكرا ولكم ألف شكر.
ومنا إلى اللجنة التعليمية في مجلس الأمة التي فازت بالتزكية.
إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق