نعيش حالة غريبة في الكويت، إذ يستهلك البرلمان معظم الحراك الإعلامي المكتوب والمرئي بسبب شغف معظم النواب للظهور الإعلامي، وهو مبرر أحياناً بسبب غياب الأحزاب، إلا أن مصدر الغرابة هو صمتنا عن حكومة لا تعلن خطة لإدارة البلد فور تشكيلها، وهو الموضوع الذي يتسبب بعدم الاستقرار السياسي ويعطل حركة البناء.
إشكالية الإعلامين الحكومي والخاص في الكويت أنهما باتا من نوع (ناقل الكفر)، دون أن يكون لهما ابتكاراتهما وتحريكهما لملفات عصية وكبيرة على رأسها “خطة الحكومة”، فالكويتيون موعودون مع سهرة ليلية مع نائب أو ناشط أو محام أو مغرد يجري فيها تكرار الأسئلة المملة من قبل مذيعين طارئين على العمل الإعلامي في أغلبهم وقليلي الخبرة في قضايا كثيرة.
من النادر أن تجد وزيراً في لقاء مفتوح مع الجمهور أو في مواجهة مقدم برامج مقتدر– وهي مسؤولية الإعلام- ليكشف لنا صورة مصغرة لما يجري في مجلس الوزراء، بينما نسهر كل يوم مع نائب ليسأل عن رأيه في قضايا البلد، وهو ما لا يفيد ولا يغني، إذ إن قاعة عبدالله السالم تكفي لإبداء الرأي النيابي!
لم يتمكن الإعلام الكويتي إلى اليوم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في القضايا السياسية والاجتماعية بشكل تفاعلي يسمع فيه رأي المواطن والمسؤول في مسألة البدون أو الفساد أو طريقة تنصيب وكلاء الوزارات وغيرها من المسائل الهامة. لم تستطع وسيلة إعلامية من خلال برنامج مرئي أن تخلق منبراً للشباب الذي بات يتظاهر ليلاً!!
حتى الصحف التي كان دورها كبيراً وهاماً في مرحلة مشاركة العناصر العربية فيها قبل عقدين تراجعت معظمها عن القيام بالدور التنويري، ولم نستفد من قانون إفساح التراخيص سوى بصدور (كم) من الصحف التي لم تحدد بوصلتها بعد.
ويجب أن نكون صرحاء في مسألة كثرة قضايا النشر في المحاكم، فهي ليست ظاهرة لصراع حول الحريات الإعلامية بقدر ما تنم عن قصور في فهم أصحاب الصحف والكتّاب والمحررين للحرية والمسؤولية.
هذا ليس رأياً قاسياً في إعلامنا المرئي والمكتوب، فالأول حديث نسبي بدأ بمستوى عادي لبعض القنوات ومتدنٍّ لكثير منها، أما الصحافة فهي في تراجع منذ أن غادرها المحترفون العرب، وأصبحت تستخدم تصريحات النواب “مانشيتات” رئيسة تدخلها عنوة في بيوتنا، وبعضها دخل مجال الترويج عن طريق الجوائز كالسيارات وأجهزة المنزل!! وتركت تبني الحملات الإعلامية حول القضايا المستجدة والقديمة، التي تعمل على توجية الرأي وتنويره.
الإعلام في الكويت اليوم يقوم بدور سلبي، ويساهم في نقل تصريح طائفي أو مذهبي دون أن يبذل جهداً في التوعية القانونية والدستورية تجاه ذلك، حتى تلفزيون الكويت الذي تخلى عن أدوار كثيرة وطنية وأمنية لا يستطيع اليوم الدفاع عن أعضاء الحكومة وسياساتها، بل الأنكى من ذلك أن الكويت تحتفل منذ 11 نوفمبر الفائت ولعام قادم بذكرى صدور الدستور، ولا نجد أي أثر لهذه الذكرى المفصلية من حياة الدولة على الإعلام الخاص والعام، فعن أي إعلام نتحدث؟
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق