لا يوجد شيء اسمه «برلمان الظل» او «مجلس الظل»، والفكرة التي طرحها الكاتب الزميل محمد عبد المحسن المقاطع وتلقفتها المعارضة لم يعمل بها في اي دولة ديموقراطية او غيرها في العالم، لان الاصل هنا مجلس برلماني واحد منتخب من الشعب، وبالتالي لا يجوز استنساخ مثيل له، لا من حيث شرعيته او قانونيته، ولا من حيث الصلاحيات التي يملكها ويمارسها.
«برلمان الظل»، توليد معارضة مفلسة سياسياً، تلجأ إلى هذه اللعبة ظناً منها انها ستستحوذ على الرأي العام وتكتسب شرعيتها منه، اي من الشارع الذي تلجأ اليه كلما شعرت بالضعف او التراجع.
وانضمام الزميل الجريء ذعار الرشيدي الى هذا المجلس هو خير تعبير عن واقعه، فبإمكان اي مواطن ان يقول انا عضو في مجلس الظل، وهذا لا ينتقص ابداً من مكانة الزميل او غيره لكن نسوق المثل للتدليل على ان الظاهرة لا تتعدى حدود اعلان الرأي.
فهو بحسب كلام زميلنا العزيز ذعار «مجرد مجلس شعبي رمزي لا اكثر ولا اقل»، او كما وصفه الزميل الدكتور عبد المحسن جمال بأنه «ديوانية رأي» ليس له اي صفة رسمية، بل هو اقرب الى ان يكون جزءا من حراك مجتمع مدني.
في مصر أطلقت المعارضة الدعوى الى برلمان الظل في آخر انتخابات نيابية جرت في عهد الرئيس حسني مبارك في شهر ديسمبر 2010، وضمّ 90 نائباً سابقاً من الذين خسروا مقاعدهم، واعتبروا ان المجلس مزور تم التلاعب به (فاز الحزب الوطني بــ 419 مقعداً واحزاب المعارضة بـ 15 مقعداً) وذهبوا إلى ان اقسموا اليمين الدستورية كدليل على انتسابهم الى برلمان الظل الشعبي، حينها ألقى الرئيس مبارك خطاباً امام مجلس الشعب وقال عبارته الشهيرة «خليهم يتسلوا». قالها من باب التهكم على المعارضة! وبعدها بأيام مات مجلس الظل ولم يعد له اثر او وجود.
المعارضة الاسلامية ايضا خاضت التجربة في الاردن واعلنت عام 2008 تشكيل برلمان مواز، بعدما وصفت البرلمان المنتخب بالمشوه لانه أقر «قانون الصوت المجزوء»، الذي أتى لغير مصلحتها.
بدوره العراق دخل في هذا المعترك، فقد اعلن عن انشاء برلمان الظل لتقويم ورصد انشطة البرلمان العراقي، لكنه لم يعمر طويلاً.
واضح من خلال توليد برلمانات الظل انها غالباً ما تأتي من نواب سقطوا في الانتخابات واتهامات بالتزوير او بتعديل مادة في قانون الانتخابات لا تتلاءم مع قواعدهم الشعبية.
وفي المجمل تبقى هذه المجالس مكشوفة دستورياً لعدم قانونيتها وشرعيتها في اطار المؤسسات الدستورية بالدولة.
البعض ربط بين برلمان الظل وحكومة الظل وهذا خطأ واضح. حكومة الظل تقدم نفسها من موقع المعارضة كبديل سياسي مناهض للحزب الحاكم، وتتمثل مهامها في بريطانيا في مراقبة الحزب الحاكم لجعل رئيس الحكومة مسؤولا بشدة امام البرلمان على ان يكون لكل وزير حكومي وزير ظل من المعارضة بحيث يكون مستعداً في حال سقوط الحكومة وتسلم الحكم لتسيير امور الوزارة المهنية، ويحق لرئيس حكومة الظل إثارة اي نقطة مع رئيس الوزراء في مجلس العموم في جلسة استجواب رئيس الحكومة اسبوعياً، او في اي وقت من الاسبوع اذا استدعى ذلك اي طارئ.
خلاصة الامر: ان ما يتم في الديموقراطيات المتقدمة في الغرب يجري وفق قواعد واسس دستورية واضحة تسمح بظهور برلمانات وحكومات الظل، اما عندنا فبالكاد ان نحافظ على البرلمانات والحكومات الشرعية والمنتخبة.
حمزة عليان
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق