الكل يتكلَّم عن بعض اعضاء مجلس الامة وبعض الوزراء الذين يدخلون المجلسين في حال، ويخرجون منهما في حال أخرى، يدخلون وهم لا يملكون إلا رواتبهم، ويخرجون منهما وقد اصبحت أرصدتهم بالملايين! وكذلك الامر بالنسبة الى رجال الاعمال الذين امتهنوا السياسة فسخّروها لزيادة ارصدتهم المتضخّمة اصلاً.
انه امر لافت للنظر لا بد من الكشف عن اسراره.
وعندما تم الكشف عن الايداعات المليونية والتحويلات الخارجية اعتقد الناس ان اسرار هذه الظاهرة بدأت تتكشف والنيابة بدأت تحقق، وهؤلاء النواب والوزراء اصبحوا قاب قوسين او ادنى من قاعة المحكمة. وبالفعل كان اول المحالين الى محكمة الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء السابق، وانتهت المحكمة ببراءته بعد ان استمعت الى بعض النواب المدعين الذين عجزوا عن تقديم ما يؤيد ادعاءهم. وتبين ان التحويلات الخارجية «زوبعة في فنجان»، ويبدو ان «الايداعات المليونية» حالها حال «التحويلات الخارجية»، فبعد قيل وقال وكثرة السؤال أمرت النيابة العامة باستبعاد شبهة الجناية عن الوقائع في بلاغات الايداعات المشبوهة، التي أبلغت عنها بعض البنوك المحلية، وبقيدها شكاوى وحفظها ادارياً، واضافت النيابة العامة ان التحريات والتحقيقات لم تتوصل الى توافر اي دليل على وقوع اي جريمة من جرائم الرشوة او الاعتداء على المال العام او غسل الاموال او غير ذلك من الجرائم ضد اي شخص من الاشخاص، الذين اثيرت حولهم الشبهات، لان الاموال المودعة في حساباتهم لم يثبت انها تحصلت من اي مصدر غير مشروع، مما أفقد الجريمة شرطاً ضرورياً ولازماً لتوافر احد عناصرها.
كما اشارت النيابة العامة الى ان قانون غسل الاموال والتشريعات الجزائية المرتبطة به والمكملة له اللازمة للكشف عن الذمة المالية وتجريم كل صور الكسب غير المشروع المعمول بها حالياً في الكويت لم تعد كافية، وتهيب بالمشرِّع تعديل هذه القوانين لتغطية هذا الموضوع.
وكالعادة، اثار قرار النيابة العامة رد فعل قوياً من قبل المعارضة في البرلمان المبطل، وطالبوا البنوك بالتظلم لدى المحكمة من قرار النيابة، اذاً، هناك ارصدة متضخمة لبعض النواب محل شبهة لم يثبت عدم مشروعيتها، مما انتفت معه صفة الجريمة، وهذا من صميم عمل النيابة لتكيف الجريمة قبل احالتها الى المحكمة. كما ان هناك قصوراً تشريعياً غير مبرر للناس، بسبب تقصير البرلمان، خاصة الاغلبية في برلمان 2012 الاول الذين اهملوا مواضيع كهذه، ذات اولوية كبيرة والتفتوا الى امور اقل اهمية.
على اي حال، الموضوع لم ينته بعد، فربما تظهر ادلة جديدة تجيز للمجني عليه التظلم من قرار الحفظ بطريق الادعاء المباشر وتفصل المحكمة بالتظلم بقرار لا يقبل الطعن. فهل سنشهد فصولا اخرى بعد ان تمخّضت انتخابات مجلس 2012 الثاني عن وجوه جديدة تعود بــ «الايداعات» الى المربع الاول؟ ام تأتي بأغلبية جديدة من نوع آخر لتنشغل بالقيل والقال وتضيع التنمية وتضيع قوانين الذمة المالية والكسب غير المشروع والفساد، لتكون سببا لافلات «قبيضة» جدد؟! يبدو ان المجلس الجديد سيفتح آخر صفحة من ملفات لجنتي التحقيقات البرلمانية بشأن التحويلات والايداعات، التي استمرت عدة اشهر، للكشف عن اسرارها، لطي صفحات هذه الملفات، وفتح ملفات جديدة، نرجو ان يكون من أولها دراسة قرار النيابة العامة الاخير وتغطية الجانب التشريعي منه، حتى لا تكون النيابة العامة مكتوفة الايدي بسبب قصور التشريعات.
صلاح عثمان العثمان
(سفير سابق)
salah.o.alothman@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق