ناصر العبدلي: التحدي الثاني

تحدثنا في مقال الأمس عن اختبار الحكومة الأول، وحددنا كيف أخفقت في فهم معانيه، لكن التحدي الثاني الذي يمكن أن تواجهه الحكومة، هو كيفية تبني خيار سمو أمير البلاد حول ضرورة استعادة دولة القانون دورها من عمق الفوضى الحالية، بعدما كرستها حكومات ما قبل الشيخ جابر المبارك، ومازالت تداعياتها قائمة.
مررنا بسبع عجاف، مهدت للفوضى الحالية، وأفقدت المواطن الثقة في أجهزة الدولة، وربما أفقدته أيضا الثقة في السلطتين، التشريعية والقضائية، وجعلته يشك في كل شيء. وإذا كنا نريد للمواطن أن يستعيد تلك الثقة، فيجب استنفار كل الجهود المتوافرة من أجل ذلك، ونبتعد قدر ما نستطيع عن الطرق التقليدية في معالجة الأمور، وخصوصا أنه لا طائل من ورائها واستبدالها بطرق أكثر ديناميكية.
دولة القانون تتطلب رفع شعار العدالة وتكافؤ الفرص في جميع قطاعات الحكومة، ومحاربة ظاهرة «الباراشوت» للوظائف القيادية، واعتماد خيار النقاط الإدارية (الشهادة، الأقدمية) لشغل تلك المناصب، حتى لا يظلم أحد، لأن الموظف المظلوم أخطر بكثير من المؤشرات الأخرى، ويمكن أن يتحول الظلم عليه إلى إحباط يطيح جهود بقية العاملين في ذلك القطاع.
كما تتطلب تلك الدولة خلق توازن على الأقل بين القطاعين العام والخاص، إن لم يكن الانحياز للثاني، لأن القطاع العام أصيب منذ فترة طويلة بالترهل، ولم يعد قادرا على مواكبة التطورات الحالية، والإبقاء عليه بالصيغة الحالية خطر محدق بالبلاد، ويفترض أن يكون الرهان على القطاع الخاص لإدارة القطاعات الخدمية.
دولة القانون تتطلب تجاوبا شعبيا مع حاجات المواطنين، وخصوصا البسطاء منهم، حتى لا يشعروا بأنهم خارج إطار اهتمامات الحكومة، فتلك الدولة بحاجة إلى تضافر الجهود، وخصوصا على الصعيد الشعبي، من أجل حشد الطاقات خلف مشروعها، ولن يفعلوا ذلك حتى يحسوا أنهم جزء من عملية أكبر تستهدف إخراج البلاد من كبوتها الحالية.
تلك الدولة تتطلب إحياء فريق إزالة المخالفات، وتفويضه كامل الصلاحيات، من أجل المحافظة على المال العام من عبث المتنفذين والمواطنين على حد سواء، كما تتطلب موقفا صلبا من أولئك الذين وجدوا في الحكومات السابقة داعما لهم عندما تجاوزوا القانون، مثلما حدث في قضية الأغذية الفاسدة، والأوامر التغييرية، والعبث بمواصفات المشاريع الحكومية.
هذا هو التحدي الثاني الذي ينتظر الحكومة، فإذا أخفقت في الاستجابة له، كما أخفقت في اختبارها الأول، فستكون قاب قوسين أو أدنى من التعثر، وليس بعد التعثر سوى السقوط، وهو أمر لا نريده، وخصوصا إذا ما عرفنا أنه سيعيدنا إلى المربع الأول بكل تلك التداعيات الخطيرة التي مررنا بها، ولولا حكمة سمو الأمير، لما خرجنا منها.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.