إذا كان الجميع يتداول السؤال عن إمكانية استمرار مجلس الأمة الحالي فإن ذلك يدل على قناعة ممن يطرح هذا السؤال أن حسابات السلطة في التعامل مع هذا المجلس قد تتغير، وأن من المحتمل في لحظة ما أن تتم التضحية بهذا المجلس. الشكوك حول نوايا السلطة في التضحية بمجلسها بدأت تأخذ مصداقية أكبر يوماً بعد آخر، وقد ظهرت بوادر وإشارات بأن السلطة بالفعل بدأت بإعادة النظر في الوضع القائم ومراجعة حسابات الربح والخسارة، وهي إذا ما وجدت أن حسابات المكسب أكبر لن تتردد في حل مجلس الأمة الحالي.
السلطة في الوقت الحالي هي الطرف الأقوى في مقابل جبهتين أضعف منها، ففي الجبهة الأولى، وهي نواب المجلس الحالي، تعلم السلطة أن نواب مجلس الأمة الحالي لن يجرؤوا على تجاوز الخطوط الحمراء لأنهم يدركون أن أي تأزيم يؤدي لحل مجلس الأمة يعني أن قسما كبيرا منهم سيفقدون مقاعدهم في أية انتخابات قادمة وسيكتفون بلقب نائب سابق، وبالتالي فإنهم يعضون بالنواجذ لاستمرار هذا المجلس، ولذلك فمهما علا الصوت من بعض النواب بالتهديد فإنه من نوع التهديد الناعم الذي لن يصل إلى الحد الذي يغضب السلطة منهم. وفي المقابل بدأ النواب الحاليون يدركون إمكانية أن تبيعهم الحكومة بأبخس الأثمان ولذلك وضعوا لهم خط رجعة فصدرت في جلسة أمس جملة تصريحات تؤكد أن النواب لن يكونوا انبطاحيين ولن يكونوا في جيب الحكومة، وأن المساءلة قادمة لا محالة، وبدؤوا يرسلون بإشارات للحكومة بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا ما أرادت التضحية بهم.
أما على الجبهة الثانية، وهي جبهة المعارضة، فإن السلطة تدرك أن المعارضة تعيش مأزق الخروج من دائرة صنع القرار وأنها تعاني الضعف والهوان والتشتت، وهناك دلائل عديدة تدل على ندم المعارضة في مقاطعة الانتخابات، ولذلك فإن هناك مساعي تبذل لفتح حوار مع السلطة للبحث في حلول وسط، وما هو متداول بقوة في هذه الأيام هو الحل الوسط الذي يقضي بحل مجلس الأمة الحالي مقابل القبول بنظام انتخابي بصوتين بدلا من نظام الصوت الواحد، وهناك إشارات على قبول الطرفين بهذا الحل.
يكفي الإشارة إلى السبب وراء تأجيل التصويت على مرسوم الصوت الواحد على الرغم من إقرار لجنة الشؤون الداخلية والدفاع له، وهناك رموز نيابية بدأت تدفع باتجاه رفض المرسوم، بل هناك بالفعل من حسم أمره، وهذه التحركات ليست بعيدة عن سمع ونظر الحكومة، بل ربما تكون بتنسيق معها. وهذا يعزز مقولة إن مجلس الأمة الحالي مجلس مؤقت يراد أن يتم تمرير بعض المشاريع عبر بوابته وبعد ذلك «يقضبونه الباب».
يبقى أن التكهن بالوقت اللازم لتنفيذ هذا السيناريو مرتبط بانتهاء إنضاج الطبخة، وأعتقد أن عدة شهور كافية لإنضاجها، وبعدها سوف يتم البحث في التخريجة المطلوبة لتظهير السيناريو والطلب من الممثلين المباشرة بلعب أدوارهم المنوطة بهم، ولن تعدم الحكومة أن تخرج من «قبعة الساحر» ما يحقق المطلوب. باختصار المنطق السياسي والواقعي يقول إن مجلس الصوتين قادم، وعلى الجميع أن يكيف نفسه مع ذلك.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق