حسن كرم: عودة الشمالي

عودة مصطفى الشمالي لحقيبة المالية، وهي الحقيبة التي تركها في غمرة معركة الاستجواب بعدما استشعر ان القوم يريدون انتزاعه من مكانه لا بقصد الاصلاح وانما بقصد العناد والتشفي وتصفية حسابات سياسية، فلملم اوراقه وسفط بشته وقال: باي.. باي فهذا ليس مكاني، ولا هؤلاء الذين يحاسبونني قوم مصلحون، بل مخربون ولكنهم لا يفقهون.
إلى هنا، فلم يكن متوقعا عودته الى حيث مكانه والى حيث مبتغاه وهو وزارة المالية والأمين على مالية الدولة الكويتية، ولكن لا يبدو ان هناك في الظرف الراهن وفي العهد الاصلاحي الجديد من كان اصلح من الشمالي لادارة شؤون المال، فالرجل افنى جل عمره في وزارة المالية، حتى باتت بينه وحوائطها ذكريات تروى وعشق لا ينفصم!!
ورغم كل هذا فلعلي اظن ان عودة الشمالي الى الوزارة طابعها سياسي لا اختصاصي، فقد عاد مشفوعا بمنصب بروتوكولي وهو نائب رئيس الوزراء ووزير للمالية، وهذا بحد ذاته رسالة سياسية للخصوم قبل المحبين (…).
الا ان ما ينقص الشمالي لا الاختصاص المالي وانما المكر السياسي، لذلك ازعم انه سيخوض معركة شرسة وقاسية مع مجلس امة جديد جل اعضائه ناشئو سياسة وغاية طموحهم في الظرف الراهن هي ترسيخ اقدامهم، وتثبيت مكانتهم وتعظيم شعبيتهم التي هي تحت الاختبار والترصد من ناخبين مؤيدين أو من معارضين متربصين.
مشكلة نواب مجلس الامة الكويتي انهم يدخلون الى قاعة المجلس بدون برامج أو خطط أو مشاريع تنموية أو تقدمية، ذلك ان غياب الاحزاب والتنظيمات السياسية جعل من الخمسين نائبا خمسين حزبا يسعى كل واحد من هؤلاء الخمسين عضوا او الخمسين حزبا الى مغازلة الشارع وخطب وده ورضاه، وبما ان الشارع لا يميّل رضاه غير المال وبما ان النواب ايضا تخلو جرابهم من البرامج والمشاريع التنموية، فكان اقصر وايسر طريق الى قلب الناخب هو تقديم المشاريع المالية مثل اسقاط الديون او اسقاط فوائد الديون وزيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية وزيادة القرض الاسكاني وعلاوة الاولاد، أي ان هدف النواب الحاليين كما السابقين حلب مالية الدولة وجفاف ضرعها رغم انف الحكومة المؤتمنة على مالية الدولة ورغم انف الشمالي الوزير المسؤول عن المال، ورغم انف الاجيال القادمة، فالحكمة الازلية والتاريخية التي يؤمن بها نواب الامة ويطبقونها بحذافيرها «اصرف ما في الجيب….»!!
مصطفى الشمالي لن يستطيع وحده مقاومة ضغوط مقترحات النواب المالية اذا لم يكن جدار الحكومة متماسكا ومتينا، لكن خُبرنا ان جدار الحكومة كان دائما هشا ومخترقا، فهل يترك الشمالي وحده يحارب في ساحة الوغى الخمسين نائبا، فيما تتفرج عليه الحكومة، ام ان الحكومة هذه المرة غير..؟!!
اغلب الظن مصطفى الشمالي لن يعمر في منصبه طويلا، فالعواصف قوية والمقاومة ضعيفة، والخصوم متربصون..!!.

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.