قالت أستاذة القانون والخبيرة بشؤون الاسكان الدكتورة سعاد الطراروة ان من أهم ما يشغل بال الشباب في مقتبل العمر توفير المسكن المناسب الذي يحترم آدميتهم ولأهمية موضوع الرعاية السكنية وأكدت الطراروة على أن الدولة لم تتأخر في توفير الرعاية السكنية للأسر الكويتية وغير الكويتية غير القادرة على توفير هذه الرعاية على نحو لا مثيل له في العالم أجمع حيث تتعدد صور هذه الرعاية، بحيث يكون المواطن مخيرا بين عدة بدائل بحسب ظروفه.
وأرجعت طول فترة الانتظار لأسباب عديدة بعضها يرجع الى الهيكل التنظيمي للحكومة وتوزيع الاختصاصات، وبعضها يعود الى المؤسسة نفسها، وبعضها يعود الى مجلس الأمة، وبعضها يعود الى الشركات المنفذة.
وفي تفاصيل لقاء الطراروة مع صحيفة الانباء:
د.سعاد، تعد المشكلة الاسكانية من أهم وأعقد المشاكل التي يعاني منها المواطن الكويتي، نريد قبل أن نتطرق الى حجم وأسباب المشكلة أن نتعرف على أنواع الرعاية السكنية التي توفرها الدولة للمواطن.
٭ في البداية أود التأكيد على أن الدولة لم تتأخر في توفير الرعاية السكنية للأسر الكويتية وغير الكويتية غير القادرة على توفير هذه الرعاية على نحو لا مثيل له في العالم أجمع، حيث تتعدد صور هذه الرعاية، بحيث يكون المواطن مخيرا بين عدة بدائل بحسب ظروفه، فهناك البيت الحكومي المقام على قسيمة لا تقل عن 400 متر مربع، ويقدم بسعر التكلفة على أقساط شهرية لا تجاوز مائة دينار للقسط، والقسيمة المقترنة بقرض مقدم من بنك التسليف والادخار بقيمة 70 ألف دينار، والقرض الاسكاني المقدم من البنك بقيمة 70 ألف دينار لشراء بيت أو بناء قسيمة، ويمنح هذا القرض للكويتية الارملة أو المطلقة أو المتزوجة من غير كويتي بقيمة 45 ألف دينار، كما توجد الشقق منخفضة القيمة الايجارية وتقدم لساكني البيوت الشعبية بالصليبية والجهراء والمطلقات والأرامل الكويتيات، وكذلك الكويتيات المتزوجات من أجانب ومن لم يسبق لهن الزواج بالضوابط المنصوص عليها في القرارات المنظمة، كما توجد صور رعاية تكميلية أخرى تتمثل في منح قروض بدون فوائد بقيم مختلفة لترميم أو توسعة أو تعلية منزل قائم لمواجهة التزايد في أعداد الأسر المنتفعة.
ما معايير الاختيار بين هذه البدائل السكنية، وما أكثر البدائل إقبالا ولماذا؟
٭ فيما يتعلق بالبيت الحكومي والقسيمة المصحوبة بقرض بناء وقرض الشراء، يكون المستحق للرعاية مخيرا بينهما بحسب ظروفه دون أي إلزام عليه باختيار إحداهما.
في السابق كان الإقبال على قرض الشراء وذلك لسرعة الحصول عليه حيث لم يشترط القانون سوى مرور سنة على تاريخ الزواج، أما الآن فبحسب إحصائيات المؤسسة العامة للرعاية السكنية وبنك التسليف والادخار فإن هذا البديل هو الأقل إقبالا لعدم كفاية مبلغ القرض للوفاء بثمن مسكن ملائم خاصة ان مستحق الرعاية غالبا ما يكون في مستهل حياته العملية مما لا يمكنه من تدبير باقي الثمن في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات في الكويت.
أما البدائل السكنية التي أقرها القانون مؤخرا للمرأة فبعضها إجباري وبعضها اختياري، فالأرملة والمطلقة الكويتية الحاضنة وكذلك الكويتية الحاضنة المتزوجة من غير كويتي مخيرات بين قرض الشراء بقيمة 45 ألف دينار وشقة منخفضة القيمة الإيجارية، أما الأرملة والمطلقة غير الحاضنة ومن لم يسبق لها الزواج والمتزوجة من غير كويتي دون أولاد ليس أمامهن سوى شقة منخفضة الإيجار وبالشروط والضوابط المقررة في هذا الشأن.
وما الشروط الواجب توافرها للحصول على البدائل السكنية التي أشرت اليها؟
٭ ثمة شروط عامة لابد من توافرها لاستحقاق البدائل السكنية التي توفرها الدولة، أول هذه الشروط ان يشكل طالب الرعاية أسرة كويتية وتعتبر الأسرة كذلك إذا كان رب الأسرة كويتي الجنسية دون نظر الى جنسية الزوجة، وثاني هذه الشروط ان تكون الأسرة غير قادرة على توفير الرعاية السكنية الملائمة، وحدد القانون معيارا لمدى توافر هذه الشروط وذلك بألا يكون رب الأسرة مالكا أو سبق له تملك عقار كاف لتوفير الرعاية السكنية تتجاوز مساحته 200 متر مربع أو يكون قد سبق له تثمين عقار بمبلغ يجاوز 300 ألف دينار وألا يكون قد سبق التمتع بالرعاية السكنية على اعتبار ان القانون لا يكفلها للمستحق سوى مرة واحدة.
ما الحل لو ان الشخص آل إليه عن طريق الميراث مساحة تتجاوز 200 متر مربع ولكنها موزعة على أكثر من عقار ولا توفر كل منها الرعاية السكنية له؟
٭ لا يكفي تملك مساحة المائتي متر لحرمان الشخص من الرعاية السكنية بل يجب ان تكون المساحة كافية لتوفير الرعاية السكنية الملائمة، فإن كانت المساحة التي آلت الى الشخص عن أي طريق لا تكفي لتوفير الرعاية كأن تكون موزعة على عدة عقارات مملوكة على الشيوع أو كانت في منطقة غير منظمة فإنها لا تحول دون استحقاق الرعاية السكنية، ويترك أمر تقدير ما إذا كانت المساحة تكفي لتوفير الرعاية من عدمه للجنة العامة لتخصيص وتوزيع البدائل السكنية التي أشرف بعضويتها منذ ما يزيد على 10 سنوات.
إذا كان للزوجة ملكية عقارية تزيد على مائتي متر مربع وتكفي لتوفير الرعاية السكنية، فهل يمنع ذلك الزوج من التمتع بالرعاية؟
٭ لما كان واجب نفقة الأسرة من مأكل ومسكن ومشرب وملبس يقع على عاتق الزوج وفقا لقانون الأحوال الشخصية الكويتي، فإن العبرة في توافر شروط استحقاق الرعاية السكنية بالزوج فقط دون الزوجة، وعلى ذلك فإن ملكية الزوجة أيا كان قدرها لا تحول دون تمتع الزوج بالرعاية السكنية التي كفلها القانون بحسبانه المعني بتوفير هذه الرعاية لأسرته.
تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض لقانون الرعاية السكنية للمرأة الذي أقره مجلس 2009 المنحل فما سبب هذا التباين؟
٭ يعد القانون رقم 2 لسنة 2011 الذي مد مظلة الرعاية السكنية الى الكويتيات الأرامل والمطلقات والمتزوجات من غير كويتي ومن لم يسبق لهن الزواج نقلة نوعية في تطور الرعاية السكنية، فبعد أن كانت هذه الرعاية قاصرة على الاسرة الكويتية فقط، أصبحت تشمل الاسرة غير الكويتية بعد منحها للكويتية المتزوجة من غير كويتي.
ويعود التباين في الآراء تجاه هذا القانون الى أسباب قانونية ودستورية، فمن يؤيده يرى أنه ساوى بين الرجل والمرأة في مجال حق السكن وأن صدوره تأخر نحو 50 سنة ظلت فيها الكويتية المتزوجة من غير كويتي محرومة من هذا الحق الذي كفله لها الدستور الذي يساوي بين المواطنين أمام القانون في الحقوق، بينما يراه المعارضون مخالفا للدستور على اعتبار أن حق السكن الذي كفله الدستور ليس حقا فرديا وإنما حق من حقوق الأسرة الكويتية مما يجعله حقا قاصرا على الأسر الكويتية فقط، ويكون مده الى الأسر غير الكويتية توسعا في تفسير الدستور وهدرا للمال العام.
خاصة أن الواقع للقانون يجعل تطبيقه قاصرا على المتزوجة من غير كويتي فقط دون غيرها ممن خاطبهن القانون، حيث يشترط لحصول مطلقة وأرملة الكويتي الحاضنة ألا يكون قد سبق لها التمتع بالرعاية السكنية مع زوجها وهو فرض نادر الحدوث إن لم يكن غير موجود، كما يشترط لحصول الأرملة والمطلقة غير الحاضنة ومن لم يسبق لها الزواج أن يكن اثنين تربطهما علاقة قرابة حتى الدرجة الثالثة، وهو ما يتعذر توافره.
ويعترض عليه البعض الآخر لما يرونه تمييزا ضد الاسرة الكويتية، فالرعاية التي تتمتع بها الاسرة الكويتية رعاية بمقابل، حيث يلتزم رب الاسرة بسداد قيمة البيت الحكومي الذي يحصل عليه أو قيمة القرض الذي يقدم له، بينما تتمتع الأسرة غير الكويتية بشقة منخفضة الايجار (50 دينارا في الشهر) وهو ما يعني تحمل الدولة بفرق السعر بين الايجار الحقيقي والايجار المخفض.
وأيا كان الرأي في القانون فقد أصبح حقيقة واقعة ولا يجوز التراجع عنه.
على الرغم من تنوع البدائل السكنية التي توفرها الدولة وتعدد مصادر توفيرها، إلا أن المشكلة الاسكانية تفاقمت الى الدرجة التي دعت صاحب السمو الأمير الى وضعها على قمة أولويات الحكومة الحالية، ودعا جميع الجهات ذات الصلة الى توحيد الجهود للحد منها على النحو الذي يحقق الاستقرار للأسرة الكويتية، فإلى أي حد وصلت مشكلة الإسكان؟ وما الاسباب التي أدت اليها؟
٭ هذا هو السؤال الصعب الذي ما ان يتبادر الى ذهن أي موطن حتى يخالجه الشعور باليأس تجاه امكانية الحل ويلزم حتى يقف القارئ على حجم المشكلة والاسباب التي أدت اليها وصولا الى سبل العلاج والحل، أن تحلل المشكلة الى عناصرها الرئيسية والتي تتمثل في الآتي:
1 – طول فترة انتظار البديل السكني لأكثر من خمس عشرة سنة.
2 – عزوف الشركات العقارية عن الاستثمار في مجال السكن الخاص، مما أدى الى قلة المعروض منها في سوق العقار.
3 – ارتفاع أسعار الاراضي والعقارات الى الحد الذي يفوق قدرة المواطن العادي.
4 – ارتفاع الايجارات حتى أصبح الايجار يستغرق أكثر من نصف دخل الاسرة.
وأهم ما يلاحظ على هذا التحليل أن العنصرين الأخيرين هما نتيجة للعنصرين الأولين، فطول فترة الانتظار وقلة المعروض من السكن الخاص هما سبب ارتفاع الاسعار والايجارات وفقا لقواعد العرض والطلب.
فما الأسباب التي أدت الى طول فترة الانتظار وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في مجال السكن الخاص؟
٭ أولا: طول فترة الانتظار يعود لأسباب عديدة بعضها يرجع الى الهيكل التنظيمي للحكومة وتوزيع الاختصاصات، وبعضها يعود الى المؤسسة نفسها، وبعضها يعود الى مجلس الأمة، وبعضها يعود الى الشركات المنفذة.
فأما الهيكل التنظيمي للحكومة فإنه يوزع توفير الرعاية السكنية بين ثلاث جهات لا تربطها صلة عضوية هي: شركة نفط الكويت صاحبة الامتياز على كل الاراضي الفضاء، فهي التي تفرج عن الاراضي المخصصة للرعاية السكنية بعد اجراء المسح الزلزالي لها، وبلدية الكويت التي تتسلم الأراضي من شركة النفط للقيام بتحديد الاستعمالات وتنظيمها وإزالة العوائق منها، والمؤسسة العامة للرعاية السكنية التي تتسلم الاراضي المخصصة للرعاية السكنية من بلدية الكويت وتخطيطها ووضع التصاميم وتنفيذ المشروعات من خلال الشركات المتخصصة.
وإذ تعمل كل جهة من هذه الجهات الثلاث مستقلة عن الأخرى، فإن ذلك يؤدي الى تأخير توفير الاراضي، وهو ما يؤدي الى التأخير في الوفاء بالرعاية لمستحقيها.
وأما الأسباب التي تعود الى المؤسسة فتتمثل في قلة الكفاءات العلمية، فلا يوجد متخصصون في أي من المجالات الهندسية وبالنسبة للكفاءات الموجودة فإنها محبطة، وذلك لسببين، أولهما: أن الكادر الوظيفي للمؤسسة متدن جدا عن مثيله في أي وزارة حكومية، فلا يجذب كفاءة من الخارج، ويؤدي الى طرد الكفاءات من المؤسسة.
والآخر: ان الهيكل التنظيمي للمؤسسة يضيق من فرص الترقي وهو ما يصيب الكفاءات بالإحباط الذي يدفعهم الى التراخي في العمل أو الهجرة من المؤسسة.
وأما الاسباب التي تعود الى الشركات المنفذة للمشروعات الاسكانية فطبقا لقانون المناقصات تكون الاولوية في الترسية على الشركات المحلية، وللأسف الشديد معظم هذه الشركات ينقصها الحس الوطني والمسؤولية الاجتماعية تجاه الدولة، فغالبا ما يتم بيع المشروع بالكامل لمقاولي الباطن، وإزاء سوء صياغة العقود التي تبرم معها ورغبة الشركات في تحقيق أكبر ربح ممكن نجد أن المشروع الذي يقدر له ثلاث سنوات يستغرق ثلاث عشرة سنة، في حين ان الشركات العالمية تنهي المشاريع في أقل من المدد المتفق عليها في الدول المجاورة.
وأما الاسباب التي تعود الى مجلس الامة فهي الاسباب الرئيسية فيما نعانيه في هذا الصدد، فبعد أن أفرجت شركة نفط الكويت عن أراضي المطلاع والخيران والصبية والتي تكفي لإقامة مائة ألف وحدة سكنية وتم تسليمها للمؤسسة تمهيدا لعرضها على الشركات للتنفيذ عام 1995 فوجئنا بأحد أعضاء مجلس الامة يتقدم بمشروع قانون يوجب على المؤسسة تأسيس شركة مساهمة عامة لإنشاء كل مدينة سكنية على أن تتولى الشركة إقامة المدينة كاملة على نفقتها من مساكن ومبان عامة ومباني خدمات وبنية تحتية وطرق ومحطات كهرباء ومحطات مياه وتسليم المساكن والقسائم للمؤسسة لتوزع على مستحقي الرعاية، وذلك نظير استغلال مناطق السكن الاستثماري والتجاري لمدة خمس وأربعين سنة، ووافق مجلس الأمة على هذا القانون وحين شرعت المؤسسة في تأسيس الشركات فوجئت بأن جميع دراسات الجدوى انتهت الى عدم الجدوى الاقتصادية من التأسيس وذلك لارتفاع تكلفة المشروعات عن عائدات استثمارها، وهو ما أدى الى تعطيل استغلال تلك الأراضي منذ عام 1995 وحتى الآن والغريب هنا ان مجلس الأمة ظل يقاوم أي تعديلات من شأنها إزالة هذه العقبة أمام استغلال الأراضي مما يعد السبب الرئيسي فيما نحن فيه الآن.
واضح من العرض السابق ان حل المشكلة يكمن في تطوير المؤسسة وكذلك نظم طرح المناقصات على النحو الذي يسمح بدعوة الشركات العالمية ولكن ما الحل أمام وجود القانون الذي أشرت اليه والذي يستلزم تأسيس شركات يستحيل انشاؤها؟
٭ بفضل الله انتهز الوزير أنس الصالح حال وجوده على رأس الإسكان بمساعدة المدير العام للمؤسسة، فرصة حل المجلس واستصدر مرسوم ضرورة أجاز تحميل الدولة تكلفة البنية التحتية في مشروعات المدن السكنية بما يسمح بالجدوى الاقتصادية لتأسيس الشركات، كما أجاز للمؤسسة تسليم بعض الأراضي المخصصة لمشروعات الرعاية السكنية لشركات القطاع الخاص لبنائها وبيعها لمستحقي الرعاية بسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط تحدده المؤسسة، وذلك نظير تحمل الدولة تكلفة البنية التحتية لتلك المشروعات ويعد هذا المرسوم أولى خطوات حل المشكلة.
قم بكتابة اول تعليق