إقبال الاحمد: خذ حقك بيدك

اطلاق نار واصابة من 6 الى 20 جريمة ـــ شروع بالقتل من 16 الى 30 جريمة ـــ سلب بالقوة من 75 الى 100جريمة ـــ الحريق المتعمد من 6 الى 20 جريمة. كل هذا الاصرار على ارتكاب تلك الجرائم التي عاينتها الادلة الجنائية من عام 2010 الى سبتمبر 2012، حسب ما نشرته القبس.. يصرخ بأعلى الصوت ان عندنا مشكلة… يا جماعة نحن نعيش كارثة امنية يا وزارة الداخلية..يا اسر وعائلات.. يا وزارة تربية.. يا مجتمع.

فراغ + تهميش + عوز مالي او عاطفي + غياب الوزاع يخلق مشروع جريمة.. يفرش لها غياب تطبيق القانون السجاد الاحمر لتمشي عليه بكل جرأة ولامبالاة.

علماء نفس كويتيون في استطلاع تحقيق اجرته القبس يقولون ان التباطؤ في تطبيق القانون بالكويت يؤدي الى ثلاثة انواع من الاعتداءات.. اللفظي الذي يبدأ عادة بالمدارس، والذي اثبتت الدراسات انه زاد كثيرا بعد الغزو العراقي للكويت قبل اكثر من 20 سنة.. ثم التعدي البدني، واخيرا التعدي الجنسي.. والتي لا تجد كلها الرادع الحقيقي في المخافر، حين يتم التلكؤ بالتحقيقات، وحين تدخل الواسطة، وحين يغلب التوجه الطائفي والقبلي والطبقي، فيرجح كفة دون اخرى لمجرد انه من اهلنا وعشيرتنا وطائفتنا وقبيلتنا في غالبية مستويات التحقيق للاسف… دون ان تكون هناك موضوعية بحتة تعيد الحق لاصحابه وتحاسب المتعدي والمعتدى عليه.. حينها يستشري الظلم وتبدأ شرارات نار التحدي والثأر في الظهور دون ان يشعر بها المرء.

الواسطة احد الاسباب المهمة والقوية في المجتمع الكويتي، التي ساعدت وتساعد كل يوم على توليد شرار النار.. خصوصا عندما يتم التوسط لمرتكبي الجرائم بكل انواعها وقوتها… فيطلق سراحهم، وهم لا يمانعون من اعادة الكرة مرة واخرى، لانهم لم يحاسبوا على جريمتهم… فيضيع الحق وينقلب الامر رأسا على عقب… اما من ضاع حقه فلا يملك الا ان يختزن الحقد والكره داخله فلا يفيق الا بعد ان يكون قد اطلق النار او غرس سكينا او سرق مالا او احرق بيتا او خرق قانونا في اي مكان.

اذاً طرفا القضية الجاني والمجني عليه سيكونان مشروع جريمة في هذه الحالة… الامر الذي يتطلب تعديل القوانين ليحاسب ايضا من يتوسط لمجرم مهما كانت جريمته، حتى وان كانت الوقوف في مكان ممنوع.

ما حدث على الساحة الكويتية اخيرا حين عاثت التظاهرات بالامن فسادا… وحين قذف الشباب بالحجارة رجال الامن، وحين كسروا سيارات الشرطة، وحين تعدوا عليهم باللفظ، وحين رموا عليهم قناني الماء، وحين تحدوا الامن كله والقوا بالحواجز بعيدا، وحين وحين… هو شكل من اشكال العنف الاجتماعي الذي يمكن ان يوصل الى جريمة اكبر.

وضرب الشباب والتعامل معهم بقسوة غير مبررة وعدم الاستماع اليهم وعدم استيعابهم واستيعاب افكارهم وحراكهم واستقراء سلوكياتهم.. هي ايضا تعتبر طريقا يؤدي الى جريمة اكبر.

ما حصل في مجمع الافنيوز ليس موضوع جريمة فقط.. بل هو موضوع اشهار بالجريمة وتحدي مجتمع واستهزاء بقانون وايصال رسالة واضحة وضوح اعلان بالنيون في ظلام دامس… تقول طز بالقانون.

حين قذف وضرب واعتدى وحرق وكسر وتحدى الشباب في التظاهرات.. كان بقبول من اعتبروهم قدوتهم وبرضاهم، وقد يكون ايضا بتشجيع منهم… بدليل اعادة الكرة مرة ثانية وثالثة في النشاط نفسه منذ فترة طويلة… هذا هو مثل واضح وجلي كان يتم يوميا امام اعيننا كلنا، بغض النظر عن قبولنا له او رفضنا واسباب ذلك.. الا ان الدافع لممارسة العنف اللفظي والبدني كان واضحا للعيان في سلوك شاركت به اطياف مختلفة من المجتمع الكويتي… لمجرد ان من ينظرون لهم كقدوة هزوا لهم الرأس بالرضا والامتنان.

هذه عينة من بعض السلوكيات التي نظر لها اهل الكويت بعيون مختلفة. فهناك من رفضها جملة وتفصيلا، وهناك من كان حذرا بشأنها، وهناك من قبلها ووجد المبرر لها… اذاً أين الصح؟ وأين الخطأ ؟

خذ حقك بيدك.. فلا قانون يعيد لك حقك… واذا اخذته بطريقتك الخاصة وبخرق القانون فلن تجد من يحاسبك… وان حاسبك فاضمن انك ستعود لتنام في بيتك… فهناك من فتحت له ابواب التوسط… ليس لانه صاحب نفوذ فقط.. بل لان من تم التوسط عنده هو ايضا من ساهم في هذه الجريمة لانه لم يطرد المتوسط ولم يحاسبه قبل ان يحاسب الجاني.

مطلوب وبشكل سريع اصدار قانون يحاسب الواسطة ويجرمها.. وليعلن سريعا ان ابواب الواسطات مغلقة الى ابد الآبدين… واقصر الطرق لمحاربة الواسطة هو تفعيل الاجراءات الالكترونية.. فالاجهزة لا تعرف «فلان ابن فلان» او المسؤول صاحب النفوذ وصاحب المال.

ثم ان موضوع آخذ حقي بيدي سيعزز لدى كل المجتمع موضوع السلبية وعدم الدفاع عن الحق… تطبيقا لمبدأ ابعد عن الشر وغني له، مما يعزز هو بدوره سلطة الفتوة وخرق القانون.. وسيلجأ كل منا الى النأي بالنفس عن اي تدخل حتى وان كان بالدفاع عن الحق او نصرة الضعيف.. مما سيمحو من هذا المجتمع اخلاقيات كانت سمتنا ومصدر فخرنا.. وهو ما تعارفنا عليه منذ نشأة مجتمعنا وقبل ان يتلوث في السنوات الاخيرة.

ما حصل في مجمع الافنيوز كالغزو العراقي… فالغزو كان خطأ سياسيا اصاب المجتمع باكمله، وكان له كل تداعيات لاحقة صعبة، ولم يتم تشريح الحدث وتداعياته بشكل علمي وصحيح… وقتل انسان بالساطور وبالسكاكين على يد اربعة اشخاص بسبب تافه جدا، وعلى مرأى اعين آلاف البشر وفي اكبر مكان مكتظ بأكبر عدد من اهل الكويت في عطلة نهاية الاسبوع… هو سقوط اخلاقي يحتاج الى الوقوف عنده طويلا طويلا بحضور متخصصين في كل مجال.. الامر الذي يتطلب الوقوف عنده بكل قوة وتشريحه بشكل علمي وواقعي.. طويل المدى.

وكما قال رئيس الامين العام للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات د. احمد السمدان في افتتاح الملتقى الوطني للوقاية من المخدرات.. «ان المكافحة ليست موسمية تنتهي باحتفالية بل هي عمل شبه يومي، وهي عمل مؤسسي ومنظم ولا خيار امامنا سوى الاستمرار».. وان المكافحة تحتاج الى تفعيل ثلاثة مسارات «الوقائي والامني والعلاجي». وهذا هو اختصار المشكلة كلها وطرق علاجها.

إقبال الأحمد

Iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.