أعتقد أن محاولة إحتكار المعارضة الوطنية, وخصوصاً في ما يتعلق بتفسير ما يحدث في البلد من وجهة نظر ضيقة للغاية, يشير إلى تضايق البعض من الرأي الآخر. وأقصد في هذا السياق اولئك الذين إستمروا في السابق يتهمون الآخرين بأنهم يحاولون إحتكار الخطاب الوطني ! وهاهم الآن يصرون على تقديم أنفسهم لعامة الناس بأنهم الأكثر فهماً للممارسة الديمقراطية من غيرهم, وأنهم الأكثر حرصاً على مصلحة البلد! ولكن ما هو غريب للغاية في هذا النوع من الخطاب الاحتكاري-إذا أردتم- أن الجماعة تقلل من أهمية الخطاب المعارض لتوجهاتها فتصر على تهميش الأصوات الحرة التي تنتقد عشوائية طرحها وتناقض مواقفها وأقوالها مع المواطنة البناءة والهادفة. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفسر الممارسة الديمقراطية من وجهات نظر ضيقة تخدم مصالح تيارات سياسية معينة دون الاخرى. فإذا لم يحز هؤلاء على ما يتطلعون إليه من نفوذ إجتماعي أو سياسي, فالاخرون بالنسبة لهم أقل ديمقراطية أو أقل إستيعاباً لديناميكيتها الفعالة !
الخطاب المتناقض مع الديمقراطية البناءة يدعو إلى المسيرات غير المرخصة وللتظاهرات ولإزعاج المواطنين في مناطقهم السكنية ويبدو انه يرسخ مفاهيم ومبادئ تتناقض بشكل واضح مع المواطنة العصرية والديمقراطية والبناءة: فكيف يبرر البعض تشجيعهم التأزيم القسري للبيئة المحلية بينما يدعون في الوقت نفسه أنهم أكثر ديمقراطية من غيرهم?! فما هذا النوع من الديمقراطية المصطنعة التي يريدها هؤلاء, فهل هي سياق خاص بهم فقط يتوافق مع تطلعاتهم الشخصانية في إحتكار الممارسة الديمقراطية وفق وجهات نظر ضيقة للغاية لا علاقة لها بالتعددية ولا بمشروعية إختلاف الآراء ولا بحرية الرأي والتعبير.
يصعب علي قبول إحتكار فهم وإستيعاب آليات ومبادئ الممارسة الديمقراطية البناءة لدى مجموعة معينة من الناس. فإنسان اليوم يدرك تماماً أن مثل هذا النهج الاحتكاري للحرية الديمقراطية هو بداية للطغيان الفكري. بمعنى آخر: الأكثر تأزيماً للبيئة المحلية والأكثر تعنتاً في مواقفهم والأكثر رفضاً لاستحقاقات الديمقراطية الفعلية هم من ينادون الآن بنوع من الممارسة شبه الديمقراطية والتي تتطابق فقط مع رغباتهم الشخصية. فأرفض شخصياً وكمواطن كويتي يحاول قدر ما يستطيع الايفاء بمتطلبات وواجبات ومسؤوليات المواطنة الحقة أن يرغمني أحدهم على التفكير وفق نهج قسري معين يتوافق فقط مع تطلعات وآراء مجموعة من الأشخاص لا أوافقهم الرأي وأتخالف معهم ديمقراطياً ! واللة المستعان.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق