قبل الرابع والعشرين من شهر أكتوبر العام الماضي كانت الجموع تجوب الساحات خلف مشروع الإصلاح السياسي (إشهار الأحزاب، القائمة النسبية، الحكومة المنتخبة). وبعد ذلك التاريخ انخفض سقف المطالب، وتمحور حول سحب مرسوم الصوت الواحد، ولم تمض فترة وجيزة حتى كانت المطالبات تتحدث عن قرار بالمشاركة في انتخابات الصوت الواحد، شرط أن تقر المحكمة الدستورية دستوريته.
لا أحد يستطيع تفسير ما جرى كيف تبدأ الأمور بسقف عال، وتنحدر حتى مرحلة التخوف من ألا نحصل على ما نملكه الآن، ويتحول ذلك إلى مادة للتفاوض عليها، فكأنما تتحاور على ما في جيبك لا على ما في جيب الآخرين. من المسؤول عن هذه الكبوة؟ الجميع يتهرب، كالعادة، من المسؤولية، ويحاول إلصاقها بأسهل حائط يمكن لصق التهم عليه.. الحكومة، وهي بالفعل الطرف البائس في العملية السياسية.
هناك من يقول إن أطرافا دفعت المجاميع الشبابية نحو التصعيد، من أجل محاصرتها وعزلها عن امتداداتها الشعبية المحتملة، ثم العمل على «تنفيس» ما تحمله من مشاريع، وهناك من يقول أيضا إن تلك الأطراف نجحت إلى حد كبير، من خلال استخدام آليات التواصل الاجتماعي، وخلقت رأيا عاما تحول في مرحلة لاحقة إلى أدوات ضغط، وان تلك المجاميع تحولت إلى ضحايا للخطوة الأولى.
هناك من يقول أيضا إن دفع الأمور إلى حافة الهاوية، الهدف منه تخفيض سقف المطالبات السابقة، وان المشروع نجح في تخفيض ذلك السقف، وأصبحت المطالبات متواضعة، إلى الحد الذي دفع بتيارات سياسية لها تاريخ من النضال السياسي أن تستبدل بنضالها التاريخي تمنيات بإقرار مشاريع التنمية وبناء مستشفيات ومستوصفات وجامعات، وكأنما ليس ذلك وظيفة مفترضة للحكومات، ووظيفة القوى السياسية البحث الدائم عن تطوير الوضع السياسي.
بعضهم يقف حائرا أمام ما يجري، لأن همه كان الوصول إلى كرسي البرلمان، ليس إلا لكنه بدأ يحس أن العملية أصبحت أكبر منه، وأنه يعجز عن تفكيك طلاسمها وآثر الاختفاء، وبعضهم لايزال لديه أمل أن يجري سحب مرسوم الصوت الواحد، وأن تبدي الحكومة أسفها على تلك الخطوة، ويتبع ذلك تنظيم انتخابات وفقا للأصوات الأربعة.. لذا، تجده متواجدا في أول الصفوف على طريقة «مع الخيل يا شقرا».
هذه هي حال الساحة السياسية حاليا، خليط من الإحباط والأمل، رغم كل تلك التشظيات والانشقاقات في البنى.. ومادام الحلم هو كرسي البرلمان فقط، فلا مشكلة إذا ما انخفض سقف المطالب، ولا مشكلة أيضا في التنازل عن كل تلك المطالبات الشعبية، ولا مشكلة في شطب كل تلك التضحيات.. المهم الكرسي، لأن الكرسي هو الغاية وليس الوسيلة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق